مراجعة لعبة YU-NO : A Girl Who Chants Love at the Bound of This World

YU-NO لعبة رواية قصصية مرئية غيرت عالم ألعاب الروايات المرئية كما نعرفه إلى الأبد، بعد أن هيمنت عليه الألعاب المدرسية ذات طابع العلاقات الرومانسية، والتي تتيح لك اختيار الطريق والفتاة التي تريد الفوز بقلبها في نهاية القصة، بدون أي عناصر قصصية إضافية أو أي فكرة أخرى تثير الإهتمام.

العديد من الألعاب التي قمنا بمراجعتها مثل SteinsGate، The Somnium Files والعديد من الألعاب العلمية الأخرى المشابهة لها في الفكرة وطريقة التقديم، جميعها تستمد الإلهام الأصلي من لعبة YU-NO، اللعبة التي أبدعت في التعامل مع فكرة لعبة الفيديو المصوّرة، وخرجت عن نظام الألعاب المألوف من خلال تقديم نظام العوالم المتوازية والنهايات المتعدّدة لقصة اللعبة.

ليس هذا فقط، بل أثبت الكاتب الأصلي للعبة Hiroyuki Kanno أن الروايات المرئية لديها القدرة على تقدّيم قصة مهولة ومزدهرة بالأفكار والحوارات الفلسفية والعلمية الجادة التي تنافس أفضل قصص الألعاب الموجودة حاليًا، وقام بتقديم مفاجآت عديدة خلال القصة مع الاهتمام بأدق التفاصيل في طريقة الكلام وأسلوب السرد، مما جعل قصة YU-NO تحفة أبدية يمكن الاستمتاع بها في أي زمان ومهما صدر من ألعاب.

YU-NO : A Girl Who Chants Love at the Bound of This World هي إعادة انتاج بالكامل من اللعبة الأصلية التي صدرت على منصّة Sega Saturn، وتصدر على منصّات ألعاب الحديثة PS4 (تمت تجربتها), PC, Nintendo Switch في الأول من أكتوبر هذا العام.

YU-NO : A Girl Who Chants Love
at the Bound of This World ..

قصة خيال علمي خالدة تتحدى الوقت والمنطق

تحكي قصة YU-NO عن Arima Takuya، الطالب بالمدرسة الثانوية والذي تعرّض فجأة لحادث مؤسف وهو اختفاء والده ِArima Koudai، المؤرخ والباحث الناجح والذي توجد باسمه مجموعة كبيرة مسجلّة من النظريات والاكتشافات. ترك الأب وراءه ابنه الوحيد وزوجته الشابة الجديدة Keiko التي تزوجها بعد وفاة والدة تاكويا الحقيقية في سن مبكّرة.

كل هذا كان له تأثيرًا كبيرًا على شخصية تاكويا وطريقة تعامله في المدرسة. أصبح خشنًا في التعامل ويتلفظ بألفاظ بذيئة طوال الوقت وأمام أي شخص، حتّى المدرسين والأصدقاء القريبين منه أصبحوا قلقين عليه بسبب درجاته التي تنخفض. قد لا يبدو عليه ظاهريًا أنه يعاني، لكنه من الداخل يناضل ويصرخ لأنه حاول مرارًا قبل الحادث الارتباط مع والده الذي لم يعطيه الاهتمام الكافي، ويبحث عن حنان الأم الذي لم يشعر به منذ أن كان طفلًا صغيرًا.

الفصل الأول من اللعبة يستعرض حياة البطل الشخصية وعلاقاته مع والدته وأصدقائه في المدرسة وأفراد هيئة التدريس. جميع الأمور تبدو عادية، لكن تقترب العطلة الصيفية من الانتهاء ويجد تاكويا نفسه يستائل عن ظروف اختفاء والده المفاجئة، والتي ملأته بالغضب والإحباط، وهنا تبدأ قصة اللعبة الحقيقية ويتغيّر نظام اللعب بشكل جذري عن أسلوب الروايات القصصية المعتاد.

في ليلة هادئة يجد البطل حزمة مرسله إليه تحتوي على رسالة من والده الذي اختفى، مع بعض العناصر الأخرى التي تصيبه بالذهول. جهاز يشبه المرآة، ورقعة أحجار تحتوي على عشرة أماكن مختلفة لوضع الأحجار فيها. ما كل هذا؟ يستائل البطل المراهق عن ماهية الأشياء المرسلة له لكن في البداية تمتد يداه إلى رسالة والده لأنها قد تحتوي على إجابات لأسئلته الكثيرة.

تحكي الرسالة عن نظريات علمية للأبعاد المختلفة والعوالم المتوازية، وبوابات غريبة من شأنها أن تخترق حاجز الزمان والمكان. العديد من الأمور العلمية والفلسفية تشرح ماهية الأمر والأوراق ممتلئة بالمعادلات الحسابية وتفسيرات لكيفية عمل طريقة الانتقال عبر الأبعاد المختلفة. اللعبة تعرض محتوى الرسالة وشكل المعادلات بالتفصيل، ولكن السؤال الأهم الذي ينتظر الإجابة يظل يراود عقل البطل: هل والده لا يزال حيًا؟ والأهم من ذلك، أين؟

مفتاح الأكوان المتوازية

الجهاز الغريب الذي يشبه المرآة تكشف عنه الرسالة على أنه مفتاح السفر عبر الأكوان أو العوالم المتوازية The Reflector Device. يستخدم الجهاز الأحجار الموجودة في الرقعة للسفر عبر مسارات زمنية مختلفة، والاستخدام السليم لهذا الجهاز ضروري لحل لغز اختفاء الوالد، والوصول إلى أسرار عالم اللعبة.

يستطيع اللاعب حفظ التقدّم الخاص به من خلال ترك الأحجار الموجودة في الرقعة في مناطق زمنية مختلفة، وعلى عكس خاصية Flow Chart الموجودة في ألعاب Zero Escape أو Somnium Files، لا يستطيع اللاعب العودة إلى أي نقطة كما يريد، بل عليه أن يتأكد من ترك الحجر في النقطة الزمنية المناسبة حتّى يستطيع العودة إليها، وإلا سيضطر لإعادة اللعبة من نقطة البداية بعد انتهاء المقدّمة من لحظة حصول البطل على رسالة والده.

تشير اللعبة كذلك إلى الطرق المختلفة التي يتخذها اللاعب خلال القصة عن طريق خريطة كبيرة تعرض كل طريق بلون مختلف عن الآخر، كما تشير إلى أماكن الجواهر الأخرى الموجودة في مناطق زمنية مختلفة، والتي يحتاج العثور عليها إلى البحث والتدقيق، وفي بعض الأحيان اتخاذ قرارات مختلفة أو الذهاب إلى مكان مختلف من خلال إعادة تجربة نفس المشهد مرة ثانية.

فكرة السفر عبر العوالم المتوازية لا تعني اختلافات في حياة الشخصيات أو موتها وحسب، بل يتعرّف البطل على نسخ مختلفة تمامًا من الشخصيات التي اعتاد على مقابلتها والحياة معها بشكل يومي مثل والدته وصديقاته الفتيات في المدرسة، الأمر الذي يثير الحيرة في قلبه أكثر فأكثر، ويعطينا تلميحًا أن اللعبة لن تكون لعبة رومانسية عادية في الإطار المدرسي المعتاد، وتلغي الشعور بالإطمئان الذي يصاحبنا عن تجربة هذا النوع من الألعاب.

شخصيات محورية ناضجة

الشخصيات المحورية في اللعبة جميعهن فتيات، والطرق المختلفة في اللعبة تتمحور حول هذه الفتيات وعلاقة البطل بهن والوقت الذي يقضيه معهن. ما أعجبني في طريقة تقديم الفتيات هو عمرهن، أغلب الشخصيات الرئيسية في هذه اللعبة سيدات ناضجات مثل سكرتيرة المدير أو ممرضة المدرسة أو حتّى صحفية تعمل بعيدًا تمامًا عن المدرسة التي تذهب إليها.

اللعبة تحتوي على أداء صوتي كامل وممتاز لجميع الشخصيات باللغة اليابانية، وهناك بعض مؤديين الأصوات المعروفين مثل Yu Kobayashi مؤدية صوت Sasha في مسلسل هجوم العمالقة،ورغم أنك لا تستطيع فهم أغلب ما يقولونه طوال الوقت، يمكنك أن تشعر بأهمية الكلام الذي يقال بسبب جودة الحوارات المكتوبة.

في YU-NO كل سطر منطوق أو مكتوب له معنى، وتتحدث الشخصيات عن أمور مهمة في الحياة الواقعية مثل طريقة تقسيم الأيام وشكل النجوم والكواكب وتاريخ اليابان وغيرها من الأمور الجادة التي تستغرب أن تسمعها من الفتيات في هذا النوع من الألعاب، والتي دائمًا ما يتم عرضها بشكل سطحي وممل.

الفتيات لسن موجودات من أجل خدمة البطل وتقويه دوره الرئيسي فقط، بل تمتلك كل واحدة منهن دورًا محوريًا وغير متوقعًا في أحداث القصة وحياة الشخصيات الأخرى. يمكنك أن تشعر بالمشاكل التي يواجهها الأبطال وتأثيرتها الفعلية على شخصياتهم مثل شخصية تاكيوا، الذي يظهر وجوهًا مختلفة من العدوانية والغضب والخوف والشهوة اعتمادًا على الكون الذي يسكنه حاليًا والشخصيات التي يتعامل معها.

رغم أنه تم تخفيض المحتوى الإباحي في اللعبة الأصلية بشكل كبير في النسخة الحديثة، لا يزال يمكنك أن ترى تأثير شخصية والده القذرة في شخصية تاكيوا التي أصبحت تقوم بأفعال دنيئة غريبة مثل التخلّى عن ارتداء ملابسه في منتصف الفصل أو التحرش بإحدى زميلاته، الأمر الذي أزعجني كثيرًا بصراحة طوال فترة اللعبة وتمنيت لو يتم تخفيض مستوى النكات القذرة التي يقولها البطل عن الموجود حاليًا.

العلاقات بين تاكيوا والفتيات حتّى الجسدي منها يتم ذكره باعتدال في حوارات اللعبة، ولا يتم عرضه على الشاشة على عكس مسلسل الأنمي الذي تم عرضه هذا العام، والذي يعرض بعض المقاطع غير المحبّبة بشكل واضح. لكن يمتلك مسلسل الأنمي ميزة لا تمتلكها اللعبة وهي أن شخصية البطل معروضة أمامك طوال الوقت على عكس اللعبة التي لا تعرض وجه البطل إلا في مشاهد قليلة جدًا.

الفكرة هنا أن العلاقات والتعاملات بين الشخصية الرئيسية والفتيات ليست نهاية المطاف، بل هي طريقة للوصول لغاية، وليست حشوًا من أجل امتاع اللاعبين، بل يمكن أن تكون في كثير من الأحيان دافعًا لتطور الشخصيات وخلق مواقف من الصعب الوصول إليها بطريقة كتابية أخرى. لكن لأكون صريحًا التعبيرات والمصطلحات الحساسة التي يستعملها البطل يمكنها أن تزعج بعض اللاعبين المهتمين الذين يبحثون عن قصة جادة بالكامل.

الاهتمام بأدق التفاصيل في YU-NO

يكرر الأب في رسالته أن الوقت في اللعبة ليس مفهومًا لا رجعة فيه، ولكن يمكن عكسه والتعامل معه بصورة لينّة تتعدى حدود الأبيض والأسود. جميع الأكوان المتوازية والاختلافات الموجودة في مسارات اللعبة المختلفة تتطلّب تركيزًا ودراسة معمقة لمعرفة كافة التفاصيل الدقيقة التي تنشيء الصورة الأكبر في عقل اللاعب شيئًا فشيئًا مع الوقت.

YU-No لعبة تتحدى التوقعات والمنطق بشكل عام. توازن اللعبة بين السرد القصصي الدقيق لتجربة السفر عبر الزمن والمكان، إلا أنها تتعدى حدود الاحتمالات المتعدّدة الموجودة في لعبة ستاينز جيت وتتطرّق إلى مواضيع الفلسفة والدين والتاريخ والأساطير التقليدية والمعاصرة وحتّى عناصر من التكنولوجيا والفضاء والأمور التي كانت سائدة في ذات الوقت في الأعمال الفنيّة اليابانية.

فكرة اللعبة ونوع القصة يتعدى الحدود العادية التي رأينها في بعض الألعاب مثل Steins:Gate، والتي تحدث بشكل كامل في وقتنا العادي، بدون اختلافات جذرية في القوانين التي تحددها اللعبة لشكل العالم والشخصيات وغيره. لا استطيع أن أقول أكثر من ذلك حتّى أتجنّب الحرق، لكن يمكنني التأكيد بأن لعبة YU-NO تختلف عن أي شيء قمت بتجربته من قبل في هذا النوع من الألعاب.

يجب على اللاعب أن ينتبه إلى جميع تفاصيل اللعبة، حتّى مقطع فيديو أغنية البداية، لأن كل مشهد وكل سطر يحتوي على العديد من الأسرار التي يجب الانتباه إليها، والعديد من العناصر المهمة التي يجب على اللاعب الحصول عليها ليستطيع الاستمرار في الطريق الذي اختاره والوصول لنهاية اللعبة الحقيقية.

للأسف قد يكون هذا هو العيب الوحيد في أسلوب اللعب، أنه يمكنك أن تتوقّف في أي طريق بسبب أنك لم تجد العنصر المناسب التي ستحتاجه لاجتياز العقبة الموجودة أمامك، لكن العودة إلى الوراء للبحث عنها ممتعة نوعًا ما لأن التغيير الواحد في أسلوب اللعب يفتح المجال لطرق وأسرار وأشياء جديدة وقفزات غير منطقية عبر الزمان والمكان لا يمكن أن يتوقعها اللاعب على الإطلاق.

نقطة أخرى لم تعجبني على المستوى الشخصي -ولأنني قمت بتجربة اللعبة الأصلية- هو التغييرات الموجودة في ترجمة اللعبة الحديثة. تمت إزالة العديد من المصطلحات الصعبة وغير المفهومة وتعديل الكلمات لتصبح أكثر قبولًا لمجتمع اللاعبين الجدد.

راجعت وقارنت العديد من الجمل بين اللعبة الأصلية والجديدة، ووجدت أن المعنى نفسه لم يختلف ولم تنتقص الترجمة أي شيء من الفكرة التي تريد اللعبة إيصالها، لكن لم أرتاح لعدم وجود بعض التفاصيل المهمة التي تميز على سبيل المثال أسلوب السفر عبر الزمن في هذه اللعبة عن أي عمل فني آخر يعتمد على نفس الفكرة، رغم أن اللعبة الأصلية تشرح هذه النقطة بشكل رائع.

إعادة انتاج مميزة لنسخة اللعبة الأصلية

قصة لعبة YU-NO ضخمة وتحتاج على الأقل من 60 إلى 80 ساعة للانتهاء منها، لكن النسخة الجديدة من اللعبة تساعدك من خلال إعطائك حلول بعض الألغاز الحسابية التي تحتاج إلى تفكير، بالإضافة إلى وجود خاصية استعمال موسيقى Synthwave الإلكترونية الأصلية التي كانت تمتاز بها اللعبة الأصلية، ولم يحتوي عليها مسلسل الأنمي المقتبس من اللعبة أو حتّى نسخة اللعبة الأصلية على Sega Saturn.

بالنسبة لطريقة رسم الشخصيات وعالم اللعبة في العموم، فهي بالطبع مختلفة كثيرًا عن طريقة الرسم الأصلية، وبصراحة، شعرت أن طريقة رسم بعض الشخصيات تبدو سطحية مقارنة بنسختها الأصلية، لكن في نفس الوقت هناك بعض الشخصيات الأخرى التي كانت تبدو متشابهة كثيرًا في طريقة الرسم، ورأيت أن نسخة اللعبة الجديدة نجحت فعلًا في التعامل معها وإعادة رسمها بشكل مميز ومختلف عن باقي شخصيات اللعبة.

واجهة المستخدم الجديدة أكثر أناقة وأسهل في التعامل عن نسخة اللعبة السابقة، وأعتقد أن هذا هو الحال جميع ألعاب شركة Spike Chunsoft. وكما ذكرت، تحجب اللعبة بشكل تام (أو تزيل تمامًا) جميع المحتويات غير الأخلاقية التي كانت موجودة في اللعبة الأصلية، رغم أنها تعطي بعض التلميحات البسيطة عنها ولكن بدون عرض مشاهد فعلية.

كلمة أخيرة

جميع الأحداث المذكورة والصور المرفقة في المقال هي من مقدمة اللعبة، وحرصت على أن لا يوجد حرق لأحداث اللعبة بعد الحصول على رسالة الوالد. لكن يمكنني أن أقول أن اتجاه القصة والأسرار الموجودة في YU-NO أوسع وأكبر كثير من أغلب الألعاب الموجودة حاليًا، ويتعدى قوانين الزمان والمكان والخيال والواقع وبصراحة لم أجد لعبة بهذا النطاق الواسع والضخم في سر القصة غير ربما فيلم Intersteller.

لعبة YU-NO فعلًا يمكن اعتبارها أقرب شيء في عالم الألعاب لهذا الفيلم العظيم، والذي جعل المحتوى الخيالي فيه قابلًا للتصديق والفهم بشكل كبير بسبب براعة الكتابة، ونجح في أن يدفع ملايين المتفرّجين للتفكير والتأمل والانبهار بكل تفصيلة صغيرة في الفيلم. اللعبة هي تجربة مماثلة ستجعلك تهتم وتنبهر وتعيد القراءة مرارًا وتكرارًا وتتفاعل مع القصة وتركز في المعلومات التي تحصل عليها لتنجح في الحصول على العناصر السرّية لتستطيع الاستمرار في القصة.

هذه الطريقة التفاعلية في الاهتمام بتفاصيل القصة، بالإضافة إلى إمكانية الرجوع إلى أي نقطة في الزمن تتميز بها هذه اللعبة عن باقي ألعاب الروايات المرئية، وجعلتها تحفة فنية خالدة استمتعنا بها كثيرًا في الماضي، واستمتعنا بها بنفس القدر وأكثر عند تجربتنا لنسخة اللعبة الجديدة، واستفدنا منها كثيرًا على المستوى العلمي والشخصي.