اقتحمت لعبة بوكيمون جو الجديدة عالمنا الافتراضي والواقعي بقوة خلال الأيام الماضية، متسببة في ضجة كبيرة ضمن الإنترنت بلغت مدى غير متوقع بتاتًا، بدءًا ببحث المستخدمين عن بوكيمونات ضمن أماكن غريبة وغير متوقعة مثل غرف المستشفيات، إيجاد فتاة لجثة أثناء بحثها عن أحد البوكيمونات، واستعانة لصوص مسلحين باللعبة من أجل إغواء ضحايا يبحثون عن البوكيمونات، مع استمرار ظهور قصص مشابهة كل يوم تقريبًا، لكن هل فعلًا تستحق لعبة بوكيمون جو كل هذه الضجة؟
بداية، تعتبر ألعاب بوكيمون أحد الألعاب المعروفة التي رافقت الشهرة الواسعة لمسلسل الأنمي بوكيمون الذي غزا شاشات التلفزيون العالمية، حيث بلغت شهرة ألعاب البوكيمون الخاصة بشركة نينتندو العريقة ذروتها أواخر تسعينات القرن الماضي، لتعود لعبة البوكميون في إصدار بوكيمون جو لتعصف بالعالم الرقمي والواقعي على حد سواء، حيث تتوفر اللعبة على نظامي أندرويد وiOS، وربما يمكن تلخيص أو تبيان مدى الإقبال المهول على اللعبة من خلال تنافسها مع شبكة تويتر من حيث المستخدمين النشيطين يوميًّا على نظام أندرويد، وتحقيقها لأكثر من 10 مليون تحميل على نظام أندرويد فقط.
لتبسيط الأمر، فإن لعبة بوكيمون جو هي لعبة تستخدم ميزة GPS والوقت في هاتف المستخدم من أجل تحديد مكان وزمان تواجد المستخدم في اللعبة من أجل جعل البوكيمون –وهي التي يمكن وصفها بحيوانات ذات قدرات خاصة يمكن للمستخدم جمعها والقتال بها لمن لم يسبق له وأن شاهد مسلسل بوكيمون أو لعب أحد ألعاب السلسلة العريقة- يظهر في مكان قريب من المستخدم ضمن هاتفه، ليكون المستخدم قادرًا على إمساكه من خلال كرات خاصة. ومع تنقل المستخدم في العالم الواقعي، تظهر أنواع مختلفة من البوكيمونات اعتمادًا على مكان تواجد المستخدم والوقت الذي يتواجد فيه هناك، عِلمًا أننا نتحدث هنا عن تنقل حقيقي أي أنك ستخرج فعلًا من منزلك وتبدأ بالبحث في الأرجاء عن البوكيمونات عبر هاتفك، أي أن الأمر بمثابة مزج بين العالم الواقعي والافتراضي، كما أن الأمر يعتبر بمثابة إسقاط حقيقي لأحداث المسلسل التي تدور حول صبي يسافر من أجل العثور على بوكيمونات وجمعها وخوض معارك بها، لذا فاللعبة تشجع المستخدمين على الخروج والتنقل لمسافات طويلة بحثًا عن بوكيمونات جديدة.
وبالتالي فإن لعبة بوكيمون جو تحاول تحقيق حلم متابعي المسلسل ومحبي إصدارات اللعبة وتقديم تجربة اللعب الحقيقية التي لطالما حلم بها المستخدمون الذين كانوا يمنون النفس بالخروج يومًا في رحلة “حقيقيًّة” للبحث عن البوكيمونات وجمعها، لذا فإن الحماس والإقبال الكبير على اللعبة يمكن تفهمه من خلال العودة إلى حقبة التسعينات وتحليل سلوكيات محبي السلسلة آنذاك.
لعبة بوكيمون جو ومحاولة تحقيق حلم محبي بوكيمون
وإلى جانب ما ذكرناه سابقًا عن حلم محبي اللعبة والمسلسل بالترحال وجمع البوكيمونات وخوض معارك بها ضد جامعي بوكيمونات آخرين أو بالأحرى مدربين كما يطلق عليهم في اللعبة والمسلسل، بلغ عدد البوكيمونات في الجيل الأول 151 بوكيمون، قبل أن يصبح عددها لاحقًا أكثر من 720 بوكيمون، وحتى الآن، تتوفر لعبة بوكيمون جو على البوكيمونات الأصلية فقط والتي يبلغ عددها 151 بوكيمون. وتم إصدار عدة نسخ من ألعاب بوكيمون في التسعينات، مع إصدار مسلسل أنمي حقق نجاحًا كبيرًا، بالإضافة إلى إطلاق أفلام وتوفير بطاقات بوكيمون خاصة إلى جانب العديد من الأشياء المرتبطة باللعبة للشراء.
ولاشك أن الحلم المشترك الذي ظل محبو المسلسل وإصدارات اللعبة يحلمون به هو خوض تجربة الخروج في رحلة لجمع البوكيمونات وخوض معارك بها –وهو طبعًا حلم مستحيل على أرض الواقع- لكنه يبقى حلمًا كان ومازال يراود محبي اللعبة الذين رأوا نفسهم في الشخصية الرئيسة في المسلسل “أش كيتشم” الذي يخرج في مغامرة مع بعض أصدقائه لجمع البوكيمونات وربح أوسمة من خلال هزيمة زعماء صالات الألعاب للمشاركة في بطولات كبرى. ورغم كون البوكيمونات شخصيات خيالية، إلا أن التقنية قد نجحت في محاكاة عالم يمزج بين العالمين الحقيقي والافتراضي لتقديم تجربة مشابهة لحلم محبي اللعبة، والتي تجعل البوكيمونات أقرب إلى الحقيقة، وهو ما يتجلى في لعبة بوكيمون جو المميزة، حيث تحاكي اللعبة نفس التجربة التي كان المستخدم سيعيشها في حال كانت البوكيمونات موجودة فعلًا وتتيح لهم الإمساك بها وجمعها بالإضافة إلى تحدي مستخدمين آخرين بها، كما أن اللعبة تلعب على الوتر الحساس لشريحة ضخمة من المستخدمين الذين عشقوا المسلسل وإصدارات الألعاب في صغرهم، وبالتالي فإن لعبة بوكيمون جو تعتبر بمثابة كنز ذكريات ثمين لهم، الشيء الذي ساهم بالتأكيد في زيادة شعبية اللعبة بشكل كبير.
لعبة بوكيمون جو تختلف عن ألعاب بوكيمون العادية
لعبة بوكيمون جو مبنية على إصدارات اللعبة الأصلية، لكنها تختلف عنها من عدة نواحي، صحيح أن هنالك قواسم مشتركة بينها وبين الإصدارات السابقة مثل وجود بوكيمونات وإمكانية حصول المستخدم عليها، كما أن زعماء الصالات الرياضية حاضرون إلى جانب مدربين يمكن منافستهم والقتال من أجل تحقيق الشهرة والمجد وما إلى ذلك، بالإضافة إلى إمكانية تخصيص شكل واسم شخصية المستخدم الخاصة ضمن اللعبة، مع وجود عالِمٍ يساعد المستخدم على البدء من خلال منحه البوكيمون الأول له.
إلى جانب ما سبق، قدمت لعبة بوكيمون جو عدة تغييرات كبيرة، خصوصًا على مستوى التحرك في عالم اللعبة، ففي الألعاب السابقة يستخدم المستخدم أدوات التحكم المعتادة للتحرك ضمن عالم اللعبة الذي أنشأه المطورون، في حين تدور اللعبة ضمن العالم الحقيقي في لعبة بوكيمون جو، حيث سيكون على المستخدم الخروج من منزله والبدء بالبحث عن البوكيمونات، وكما ذكرنا سابقًا فإن اللعبة تستخدم ميزة GPS والوقت ضمن هاتف المستخدم من أجل تحديد موقعه ضمن خريطة اللعبة الخاصة وتحديد نوعية البوكيمون الذي سيظهر أمامه.
أحد ميّزات اللعبة هي اندماجها بشكل كبير في العالم الحقيقي، حيث تساعد المستخدم على اكتشاف المكان المحيط به بشكل رائع، فعلى سبيل المثال، إذا كان المستخدم في متنزه ما، ستظهر اللعبة غالبًا عناصر طبيعية أقرب إلى طبيعة المكان مثل عشب أكثر مع اعتماد ظهور نوعية البوكيمون على محيط المستخدم، وفي حالة المتنزه، ستظهر اللعبة غالبًا بوكيمونات من فئة الحشرات، على أن يتم إظهار بوكيمونات برمائية على سبيل المثال عند التواجد قرب بحيرة أو شاطئ ما، وفي حالة أخرى، سيتم إظهار البوكيمونات الليلية وبوكيمونات الأشباح عند البحث عن البوكيمونات ليلًا.
وتحتوي اللعبة على PokéStops، وهي أماكن بارزة في العالم الحقيقي محددة ضمن خارطة اللعبة الداخلية، حيث يمكن للمستخدم التوجه لهذه الأماكن من أجل الحصول على عناصر خاصة باللعبة مثل كرات البوكي والبيض الذي يمكن أن يفقس مع مرور الوقت ويتحول إلى بوكيمون كامل، كما يمكن تنصيب عناصر خاصة ضمن هذه الأماكن ما يجعلها تشع باللون الوردي على الخريطة حتى يجذب اللاعبون المتواجدون بالقرب من هذه الأماكن بوكيمونات إضافية.
ويستفيد مطورو اللعبة ماليًّا من هذا الجانب، حيث تتيح اللعبة للمستخدمين إمكانية شراء عناصر من المتجر بمال حقيقي، ما يساعد المستخدمين على إغراء البوكيمونات. أحد التغييرات الكبيرة أيضًا هي طريقة القتال، فعند إمساك بوكيمون جديد، لا يقاتل المستخدم البوكيمون الذي يود الحصول عليه ببوكيمون آخر يمتلكه، بل يكون القتال مباشرًا بين المستخدم والبوكيمون، حيث يتم السحب على شاشة الجهاز من أجل رمي كرة البوكي -التي تعتبر الجهاز الذي يتم إمساك البوكيمونات به- نحو البوكيمون ليتم الإمساك به.
وتشهد لعبة بوكيمون جو غياب القتالات التقليدية حيث لم تعد القتالات استراتيجية من خلال تحديد المستخدم لهجمات البوكيمونات التي يود أن تنفذها بوكيموناته، وبدلًا من ذلك، يتم تحديد الفائز غالبًا من خلال قوة البوكيمون، وهي إحصائيات تظهر إلى جانب البوكيمون، وما على المستخدم سوى النقر على الشاشة من أجل جعل البوكيمون يهاجم العدو مع السحب لتفادي الهجمات. وعليه، سيكون على المستخدم تقوية البوكيمونات التي يمتلكها وتطويرها –مرحلة التطور هي تغير شكل البوكيمون إلى شكل آخر وقوة أكبر- من خلال عناصر خاصة يمكن للمستخدم الحصول عليها عبر جمع البوكيمونات وقتال زعماء الصالات. وترفع هذه الأنشطة من مستوى شخصية اللاعب وتفتح أمامه محتوى أكبر وتزيد من فرص العثور على بوكيمونات نادرة.
ولا تحتوي لعبة بوكيمون جو حاليًّا على إمكانية اللاعبين المتعددين، أي أن المستخدم لن يستطيع خوض قتال مع أصدقائه من العالم الحقيقي أو تبادل البوكيمونات معهم، وهما ميزتان بارزتان في الألعاب السابقة. لكن إمكانية توفر هذه الميزة مستقبلًا غير مستبعدة بالنظر إلى ظهورها ضمن الفيديو الترويجي للعبة. وربما يشكل غياب ميزة اللاعبين المتعددين وعدم توفير استراتيجيات قتال حماسية خيبة أمل لمحبي السلسلة، حيث أن هاتين الميزتين من بين الميّزات المهمة التي يتوقع اللاعبون توفرها ضمن تجربة لعب خاصة بإحدى إصدارات ألعاب البوكيمون.
وفي حال اعتبرنا غياب الميّزات السابقة كمنغص لتجربة اللعب بالنسبة لشريحة معينة، فسيكون استنزاف اللعبة لعمر بطارية الجهاز بسرعة أحد سلبيات اللعبة التي تضايق شريحة أوسع من المستخدمين، حيث أن الأمر قد وصل إلى اقتراح طرق للحفاظ على عمر البطارية، ولا يقتصر هذا على لعبة بوكيمون جو فقط، بل سنستمر غالبًا في استقبال شكاوى كهذه من طرف المستخدمين حول استنزاف ألعاب الواقع المعزز لعمر البطارية بسرعة، وهو ما سيكون على هذه الألعاب ومطوريها تقديم حلول ناجعة لتجاوز هذه العقبة أو ربما سيكون على المستخدمين الانتظار لحين زيادة أعمار البطاريات بشكل واضح أو الاكتفاء بحلول ترقيعية مثل اصطحاب بنك طاقة أو بطارية إضافية وما إلى ذلك.
خلاصة
رغم تجربة اللعب الفريدة التي تقدمها لعبة بوكيمون جو إلا أن على اللاعب دائمًا تذكر أنها تبقى مجرد لعبة لا تستحق المخاطرة بولوج أماكن خطرة أو التعدي على ممتلكات الغير.