مراجعة لعبة Romance of the Three Kingdoms XIV

إنّ فن الحرب ذي أهميّة بالغة للدولة. إنها قضيّة حياة أو موت، و هي الطريق إمّا للبقاء أو للاندثار. لذا فهو موضوع ذي أهمية واستحقاق و لا يمكن إهماله مهما كانت الأسباب.

يبدأ الفيلسوف الصيني والخبير الاستراتيجي سون تزو بهذه الكلمات في كتابه فن الحرب، هذا الكتاب الذي يجسد سون تزو من خلاله كامل خبرته ورؤيته الفلسفية في مجال الحروب وتم اعتباره فيما بعد وعلى مر التاريخ الكتاب المقدس للدراسات العسكرية، واُستخدمت الأفكار النظرية والفلسفية في الكتاب في جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها بصورة واسعة إلى اليوم.

يتحدث الخبير الاستراتيجي في كتابه عن العديد من الأمور التي يتوجب الانتباه إليها أثناء الخوض في أي معركة مثل وحدة الجبهة الداخلية واستقرارها، وأهمية معنويات الجيش وإيقاد قاعدة ثابتة ومقارنات عقلانية بين أطراف النزاع، وحساب العوامل المرجحّة للنصر كالطاقة الفكرية والجسدية للجنود والبيئة المحيطة والظروف الجوية والخطط الحربية والموارد والأموال وأنظمة التدريب والمكافآت والعقوبات.

Romance of the Three Kingdoms XIV هي آخر إصدار في سلسلة ألعاب المحاكاة التاريخية التي يعمل عليها واحد من المطورين المتمرسين في ألعاب هذا النوع وهو Koei Tecmo، ويمكن اعتبارها المنافس الأصلي للعبة الاستراتيجيات والمعارك الصينية الحديثة Total War: Three Kingdoms.

تعيد اللعبة تصوير المعارك التاريخية التي دارت في حقبة الممالك الثلاث من تاريخ بلاد الصين، وتمنح الفرصة للاعب ليعيش دور قادة الجيوش المؤثرين والمسؤولين عن إدارة شئون الحرب وتنفيذ الخطط واستخدام موارد الدولة من أجل توحيد جميع ممالك الصين تحت راية واحدة.

وإن كنت جربت Total War: Three Kingdoms من قبل فسيكون لديك فكرة بعد قراءة المراجعة عن طريقة كل لعبة في الاهتمام بالأشياء التي تخص الحرب والتي ذكرها سون تزو في كتابه.

يختلف تركيز المطورين بين كل لعبة والأخرى حيث أن هناك لعبة تركز على بناء الدولة وتجهيز الجنود مثل Total War أو الجزء السابق من اللعبة Romance of the Three Kingdoms 13، وهناك لعبة أخرى تركز على القتالات والاستراتيجيات الفعلية أثناء الحروب وهي لعبة اليوم Romance of the Three Kingdoms XIV.

وبالطبع يتوقف الأمر على اللاعب في النهاية ليختار الأسلوب الذي يفضلّه في محاكاة هذه الحقبة التاريخية المميزة والمليئة بالصراعات المثيرة والخطط الذكية ومشاعر الحب والوفاء والشجاعة والتضحية من أجل مستقبل أفضل.

Romance of the Three Kingdoms XIV متوفرة الآن على منصّات PS4, PC (تمت المراجعة على منصّة PS4).

مراجعة لعبة Romance of the Three Kingdoms XIV ..

محاكاة واقعية عميقة لفن الحرب الصيني

في البداية أريد أن أثني على طريقة تصميم القوائم الإدارية والدروس التدريبية في اللعبة. هذه النقطة بالغة الأهمية في الألعاب الاستراتيجية وعدم تنفيذها بالشكل الصحيح يمكنه أن يصد العديد من اللاعبين عن الدخول في اللعبة وفهم طريقة اللعب والاستمتاع بها كما يرغب مطور اللعبة.

تمنحك اللعبة قبل البدء وأثناء المهمات العديد من الدروس المهمة عن أساسيات القتال وكيفية إدارة الجنود والموارد والطريقة الأمثل لزيادة كل منهما من خلال السيطرة على كتلة أكبر من الأراضي المحيطة بك وقمع المدن المجاورة لتستطيع نشر سيطرتك على مساحات واسعة حتّى تصل في النهاية إلى الحكم الشامل لبلاد الصين كلها، وطريقة تنفيذ هذا الأمر في الحقيقة سهلة للغاية.

كل ما يجب عليك فعله هو النقر على إحدى المدن أو القلاع التي تحتوي على فرق الجيش الخاصة بك ثم اختيار القائد الذي تريد توصيله إلى النقطة التالية التي ترغب في السيطرة عليها. تتحرك الفرقة أوتوماتيكيًا إلى النقطة التي اخترتها وتبلغك اللعبة بعدد الأيام التي ستستغرقها للوصول إليها ويتم حساب كل دور في اللعبة بمقدار عشرة أيام.

عشرة أيام تختصرهم اللعبة في ثوان بسيطة، ولكنها في الحقيقة وقت طويل يمكن أن يحدث فيه العديد من الأمور. المقاطاعات الأخرى لا تنتظرك لتنتهي من مهمتك وتستمر في الزحف على المدن والمقاطعات الأخرى المجاورة لها وتعزيز قوة جيوشها بطرق مختلفة مثلك تمامًا، وفي الفن العسكري مبدأ مفاده، أن لا نفترض أن العدو لن يأتي، وأن نعتمد على استعدادنا لمواجهته في أي ظرف.

على عكس الجزء الثالث عشر من السلسلة، لا ترهقك اللعبة كثيرًا بخصوص التركيز على الأمور الداخلية لكل مدينة. كل ما عليك الإهتمام به هو أن يحصل جيشك على الإمدادات الكافية من الذهب والمؤن والجنود في كل دور وذلك عن طريق تعيين أحد القادة أو الجنود ليهتم بشئون المدينة مثل التجارة والزراعة والتحصين. ويمكنك أيضًا أن تجعل تطويع وتدريب الجنود يتم صورة أوتوماتيكية من خلال تعيين مشرف متخصص في كل مدينة.

ربما يستاءل القارئ عن كيفية اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب؟ ما الذي يضمن لي أن هذا الشخص سيصنع فرقًا في عائدات الذهب أو المؤن أو يحافظ على المدينة في سلام ويمنع الثورات لو قمت بتعيينه في هذا المنصب أو ذاك؟ وخاصة أنه سيقوم بفعل ذلك بشكل أوتوماتيكي أثناء تركيزك على المعارك بدون أي تدخل منك.

يعتمد هذا على مؤشرات الشخصية القيادية نفسها مثل القوة والذكاء والفطنة السياسية والتي تجعلهم مناسبين في المكان الذي تختاره ليحكمه كل منهم، كما يمكن تحسين هذه المؤشرات وتطويرها مع الوقت من خلال الخبرة القتالية والتدريبات. الضباط والقادة عنصر مهم وفعال في جميع جوانب اللعبة، وليس الأمور الداخلية فقط وشخصية أحد القادة وطريقته في تسيير الأمور يمكنها أن تجعلك تسقط جيوشًا بأكملها بأسهل الطرق.

يقول سون تزو: حسب الخطط في إدارة الحرب فإننا عندما نكون عشرة أضعاف العدو، نحاصره. وعندما نكون خمسة أضعاف نهاجمه، وعندما نكون ضعفيه نقسمه، وعندما نكون متعادلين يمكن الشروع في القتال، وعندما نكون أقل منه عدداً نقوم بقتال تراجعي، وعندما نكون أضعف منه عدداً وعتاداً نتجنّبه، وهكذا فالجيش الصغير إذاً يقاوم العدو بتجلّد.

يتم ترجمة هذا في الخطط الاستراتيجية التي يبرع فيها كل قائد وعدد الجنود الذي يحتاجهم لتنفيذ كل خطة، ويمكن تخصيص كل من هذين الأمرين قبل إرسال القوات، وهذا الاختيار بالغ الأهمية حيث أن مقاومة الجيوش لن تكون بسيطة وسهلة مثل ترك مجموعتين من الجيوش يتقاتلان حتّى تنتهي نقاط حياة إحداهما، بل ستلاحظ العديد من المراوغات والمناورات والقتالات التي تحدث بين القوات أثناء المعارك طبقًا للإستراتيجيات التي اخترتها والقدرات الخاصة التي يمتلكها كل قائد.

ومع ذلك، فإن القتالات دائمًا ليست الحل الأمثل. يمكنك أن تمتلك جيشًا مقداره 50 آلف جندي، وتواجه جيشًا مقداره ثلاثة آلاف جندي فقط، وستجد نفسك تخسر أمامه، بل وربما تجد الجنود يتحركون ببطء أو يتفرقون أو يثورون أو يموتون بدون أي سبب مقنع. هذا ليس عيبًا في اللعبة، بل هو الأسلوب المستخدم في تصوير الواقعية وإضافة لمسات استراتيجية متقدمة إلى المعارك الموجودة في اللعبة.

يقول سون تزو: إن أخذ البلاد سالمة هو أفضل من تدميرها، وأسْر اللواء المعادي، هو أفضل من تدميره، كذلك الكتيبة والسرية والفرقة، ولذلك فإن إحراز مئة إنتصار في مئة معركة ليس هو الأفضل بل إن إخضاع العدو من دون قتال هو أفضل ما يكون، لذلك من الأفضل في الحرب ضرب إستراتيجية العدو، ثم ضرب تحالفاته، ثم مهاجمة جيوشه، وتجنب مهاجمة المدن المحصنة إلا عند الضرورة.

نقطة لم أقم بذكرها في البداية هي أن نقاط حياة الجنود ليس العامل الوحيد المؤثر في سقوط فرقة الجيش من عدمه، وإنما معنويات الجيش نفسها يمكنها أن تؤثر في الفوز، وهي العامل الذي قد يجعل فرقًا بأعداد ضئيلة تهزم أضخم وأقوى الجيوش ويجعل المدن تخضع دون قتال، بل ويجعل رسل الولايات يهرولون لطلب التحالف معك تحاشيًا لإثارة غضبك وتفادي الخسارة المحتومة.

العديد من العوامل يمكن أن تؤثر على معنويات الجنود، مثل أن يكونوا محاطين بأقاليم معادية، أو أعداد ضخمة من جنود الأعداء في مساحة قريبة، أو العلاقات بين رؤساء فرق القوات التي تختارها وبعضها البعض. هنا يجب مراقبة ساحة المعركة جيدًا واستفزاز العدو من أجل معرفة النهج العام لتحركاته ونقاط قوته وعيوبه.

وضع الخطط المضادة يتم بناء على هذا الأساس وتحديدًا من خلال قائمة Plots في اللعبة، حيث تتيح لك هذه القائمة إرسال الجواسيس، وصنع التحالفات مع الجيوش الأخرى، وضم جنود الأعداء إلى صفوفك، والسيطرة السلمية على المدن بدون رفع سيف واحد، وحتّى أنه يمكنك أن تستخدمها في تفرقة الأعداء ودفعهم إلى العراك أو الاستقلال وبما أن الحرب هي خدعة، تحرّك عندما يكون ذلك في مصلحتك، واخلق التغييرات في الوضع عن طريق نشر القوى أو حشدها طبقًا لأحوال المعركة.

هناك أيضا جانب التضاريس والتي نجدها متنوعة عبر السيناريوهات المختلفة التي تقدمها اللعبة من سهلة ومحفوفة بالمخاطر وشاسعة وضيقة وأراض بدون أي فائدة حربية، وعلى القائد الجيش الاستعلام عنها وإتخاذ الخطط الملائمة لطبيعتها لأن تطابق الأرض مع الخطة العسكرية ضروري جدًا.

إذا اهتممت بكل ذلك، وركزت في كل تفصيلة، ستجد النصر مؤكدًا وشاملًا. ولكن تجعلنا اللعبة نتذكر دائمًا أن كسب المعارك واحتلال الأهداف ولكن من دون النجاح في استغلال النصر هو هدر للوقت، حيث أن فصول العام تمر في اللعبة، وتجد الشخصيات تكبر وتتزوج وتنجب أطفالًا وتعيش وتموت حتّى لو لم تكن خاضت أي قتالات، ولذلك عليك أن تهتم دائمًا بتدريب وتثقيف وتطوير كوادر جديدة لتجنب اختفاء القادة الذين كنت تعتمد عليهم طوال فترة الحملة.

وبالحديث عن فترة الحملة، يجب العلم أن الحملة الواحدة تستغرق من اللاعب أكثر من مائة وثلاثين دورًا على الأقل للانتهاء منها، ويوجد تسع حملات مختلفة التضاريس وتوزيع القوى في اللعبة يمكن الاختيار من بينها مع العلم أن كل حملة يستطيع اللاعب اختيار الجهة التي يريد القتال من أجلها كما أنه يقدر على زيادة صعوبة المهمة أو تسهيلها وتخفيض نسبة الوفيات العمرية والكوارث الطبيعية أثناء المعارك.

ربما يبدو كل هذا صعب الاستيعاب والتذكر أثناء كل حملة، ولكن تساعدك اللعبة بطرق مختلفة من خلال الرعايا الذين يعطونك النصائح بشكل دوري عن ما يجب أن تفعله بخصوص معنويات الجنود والتحالفات والترقيات، كما أن هناك قائمة مكثفة من الأسئلة والإجابات على العديد من المواقف التي يمكن أن تواجهك أثناء اللعب وكيفية معالجتها بالصور التوضيحية.

نقطة أخرى أحببتها كثيرًا في حملات اللعبة هو الأحداث التاريخية Historic Events التي يقوم بفتحها اللاعب دوريًا مع التقدّم في كل حملة حسب شروط فتح كل حدث.

إذا قمت بالسيطرة على ثلاثة مدن مثلًا، ستجد مشهدًا روائيًا يتم عرضه على الشاشة يحكي بعض الأحداث المتعلقة بالشخصيات أو يعطيك لمحة عن تاريخ المدينة نفسها، وهذا جعلني أغير وجهة نظري تمامًا في الحملات وأنها ليست خرائط محاكاة شكلية فقط بل هي قصص واقعية يمكنها أن تحافظ على اللاعب مستمتعًا ومهتمًا بقصص التاريخ أكثر من ألعاب أخرى كثيرة استعملت نفس الإلهام.

ورغم أن رسوم الشخصيات والتضاريس جميلة ومنقّحة عن نسخة العام السابق، لكنّها للأسف لا ترتقي لمستوى ألعاب المحاكاة الإستراتيجية الموجودة حاليًا مثل Total War: Three Kingdoms، كما أن طريقة تحريك المبارزات بين الشخصيات التاريخية وبعضها تصبح مكررة ومملة بعد أن يشاهد اللاعب نفس المشهد القتالي للمرة المليون بدون أي تغيير في وجوه الشخصيات أو طريقة قتالهم.

كلمة أخيرة

أحببت كثيرًا الإتجاه المستخدم في Romance of the Three Kingdoms XIV في التركيز على استراتيجيات المعارك كنقطة أساسية تتمحور حولها جميع جوانب اللعبة، بدلًا من الإهتمام بجوانب الإدارة الخانقة والتي قد لا تعجب الكثيرين وعلى الأخص المبتدئين الذين يبحثون عن مدخل إلى عالم الألعاب الاستراتيجية التاريخية.

موسيقى الأوركسترا الهادئة والحماسية  كانت تعمل بشكل دائم طوال فترة اللعب وفي المعارك المهمة مما حافظ على استمتاعي باللعب والإدارة كثيرًا، وكانت عاملًا مهمًا في جعلي أتقبل الجلوس لفترات طويلة بجانب العمق الموجود في استراتيجيات المعارك وشكل الرسوم الجميل.

تهتم اللعبة بتصوير أهم الجوانب التي تعتمد عليها الحروب طبقًا لتعليمات الخبير الصيني سون تزو، وتعيد محاكاة سيناريوهات المعارك المختلفة بدقة متناهية من شأنها أن تحفز عقل اللاعب وتحسن مستواه في الألعاب الاستراتيجية ويمكنني أن أقول أنه لا يوجد جلسة لعب غير مثمرة في هذه اللعبة وكل جلسة ستجد فيها مفاجآت وتطورات ودروس جديدة لتتعلمّها مع الوقت.

اللعبة تحتوي على أكثر من 1000 شخصية تاريخية يمكن تجربة اللعب بها والاستمتاع برؤية قصصها التاريخية وتفاعلاتها مع القادة والجنود والخدم والحشم.

يجب الإشارة إلى أن اللعبة تحتوي على شخصيات من مسلسل الأنمي الإستراتيجي المشهور Legend of the Galactic Heroes ولعبة Atelier Ryza والشخصيات متوفرة بشكل مجاني على متجر الألعاب والحصول عليها سيشكل بالتأكيد قوة ساحقة تُضاف إلى جيوش النصر.