هيديو كوجيما .. هذا الاسم الرنان الذي يتردد في عالم الألعاب وكأنه النظير الموازي لكريستوفر نولان في عالم أفلام السينما، أصبح يتردد أكثر وأكثر في الفترة الأخيرة بعد صدور لعبة Death Stranding.
حصل المطور على هذا الصيت الواسع لأن كل عمل من أعماله مليء بالأفكار والتطورات والمفاهيم الغريبة التي تجعل اللاعب يصل لنهاية ألعابه وهم مستمرين في البحث والتفكير عن إجابات للعديد من الأسئلة التي تروادهم.
منذ أن كشف المطور لأول مرة عن لعبته الجديدة Death Stranding في المؤتمر الصحفي E3 عام 2016، ظل المعجبون منهمكين بتحليل وتفسير المقاطع الدعائية لمحاولة فهم قصة اللعبة قبل إصدارها الرسمي، ولكنّهم لم يتوقعوا أن اللعبة لن تجعل الموضوع سهلًا حتّى بعد تجربتها والانتهاء منها.
مرة أخرى يثبت المطور أنه يرى العالم بطريقة مختلفة عنا نحن البشر العاديين، ولذلك نحاول في هذا المقال على قدر الإمكان تسهيل وترتيب الأمور للقارئ حتى يستطيع الاستمتاع باللعبة وفهم الرسالة التي يريد المطور إيصالها إلى مجتمع اللاعبين والعالم بأكمله.
يمكن الوصول لمراجعة اللعبة على موقعنا من الرابط: مراجعة لعبة Death Stranding
تنويه مهم جداً: هذا المقال يتضمن حرق كامل للعبة، لا تتابع القراءة إلا في حال انتهيت من اللعبة وترغب بالتعمق أكثر في التفاصيل وخصوصا نهاية Death Stranding
نهاية العالم
حتى نصل إلى نهاية Death Stranding يجب أن نوضح الأشياء من البداية.
في أحد الأوقات ينتهي العالم كما نعرفه، ولكن نكتشف في سياق اللعبة أن هناك بُعدًا مختلفًا تذهب إليه كل الكائنات الحية التي تموت قبل أن تصل إلى وجهتها النهائية. هذا البعد يبدو في نظرنا كأنه شاطئ رملي أسود يمتد لمئات المسافات بدون نهاية في الأفق.
الموضوع ليس جميلًا مثل رحلات الشاطيء مع العائلة. هذا البعد الخيالي يصطدم بين الحين والآخر بعالمنا الواقعي بعنف ليصنع انفجارات كارثية يمكنها أن تقضي على الحياة كما نعرفها، وهذه الانفجارات أو الأحداث المروعة يُطلق عليها اسم جنوح الموت Death Stranding.
يتسبب هذا الاحتكاك بين العالمين في خلق العديد من الظواهر الأخرى مثل ظهور الأشياء المسكونة من العالم الآخر والتي يُطلق عليها اسم مخلوقات البرزخ Beached Things أو يتم اختصارها في التعبير BTs.
هذه المخلوقات هي كيانات لا تزال أرواحها متصلة بعالم الأحياء بعد أحداث كارثة جنوح الموت، وهي كائنات في غاية الخطورة وتكوينها نفسه معادي للحياة والكائنات الحية في كل مكان، وهذا بسبب أن أجسامها تحتوي على مادة مضادة للحياة تجعلها تنفجر عندما تقترب من أي كائن حي لتصنع فراغًا في الوقت والمكان من شأنه أن يقوم بتدمير مدن أو قارات بأكملها.
هناك المزيد كذلك: بجانب اختلاط الكائنات الحية والميتة ببعضها نجد أنه عند امتزاج المواد الموجودة في عالمنا بمواد من العالم الآخر يتسبب الأمر في خلق أمطارًا شبه منتظمة تُدعى هبوط الوقت Timefall، والتي تمتلك القدرة على إصابة كل ما تلمسه بالشيخوخة المبكرة السريعة، وبالطبع هذا ليس خبرًا سعيدًا لأي شاب يحاول الخروج والتجوال والاستمتاع بوقته في عالم اللعبة.
اختفاء الحضارة
يمكنك أن تتخيل شكل العالم بعد ظهور هذه الكائنات الوحشية والأمطار السحرية والانفجارات المدمرة. لم يعد أي شيء موجودًا من علامات الحضارة التي كانت موجودة في القرون الثلاثة الماضية غير التضاريس الضخمة والتي تجعل السفر والتنقل من مكان إلى آخر شديد الصعوبة.
في أعقاب هذه الفوضى، يحاول ما تبقى من الأحياء العيش في مدن صغيرة تحت الأرض أو في أماكن بعيدة عن الوحوش والأخطار باستخدام طرقهم الخاصة لتوفير الحماية والاكتفاء الذاتي، لكن في بعض الأحيان تنتهي هذه الإمدادات ويحتاج هؤلاء الأشخاص إلى الاتصال مع العالم الخارجي ليحصلوا على ما يكيفهم من المؤونة.
هنا يأتي دور اللاعب. يتخذ اللاعب دور سام بورتر الرجل الذي يعمل في شركة مستقلة لتوصيل الطرود من مكان إلى آخر.
يرتدي البطل زيًا خاصًا للحماية ويحمل معه طفلًا صغيرًا تم استخراجه من رحم أمه قبل أن يولد، وهذا يعني أنه معلّق بين الموت والحياة ويستطيع الإحساس بقرناءه الذين يعيشون في نفس الحالة مثله عن بعد، وفي هذه الحالة يفيد كثيرًا في التعرف على أماكن مخلوقات البرزخ ومساعدة اللاعب في تجنبهم والوصول إلى وجهته.
الاتصال بعالم الموتى ليس مقتصرًا على حمل الأطفال، بل هناك العديد من البشريين الذين يمتلكون قدرات خاصة تتيح لهم الاتصال بعالم الموتى أو الحصول على أفضليات وقدرات خارقة مثل الطيران أو العودة من الموت أو غيرها من الأمور.
خطة العودة
ظهور موصلي الطرود والحمالين بالطبع ليس حلًا بل هو هروب من المشكلة الحقيقية، ولكن كيف يمكن حل هذه المشكلة؟
تريد الرئيسة الحالية للمدن المتحدة الأمريكية المُدمرة ووالدة البطل بريدجيت ستراند أن تبدأ في تنفيذ خطة مع ابنتها أميلي لإنشاء نوع جديد من الإنترنت عن طريق استخدام كميات هائلة من طاقة الموت المنتشرة في الجو وتوصيل المدن المتفرقة ببعضها البعض لصنع دولة جديدة متحدة.
الموضوع لن يحل المشكلة بشكل كامل ولكنه بالتأكيد سيقوم بتحسين حياة الأشخاص المتبقين في هذا العالم إلى الأفضل.
الأمر يبدو جيدًا على الورق، ولكن التنفيذ الحقيقي يكمن في استطاعة البطل الوصول من نقطة إلى أخرى عبر الإقدام وتجاوز التحديات الطبوغرافية وتفادي الوحوش والظواهر الغريبة من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو توحيد المدن المتفرقة، بالإضافة إلى التعاون مع فريق من العلماء والخبراء في ظاهرة جنوح الموت Death Stranding لمساعدته في رحلته بمختلف الوسائل.
يقابل البطل العديد من الأشخاص خلال رحلته ويستمع إلى قصص معاناتهم مع ظاهرة جنوح الموت المليئة بمشاعر الخوف والغضب والحب والألم والفكرة الأهم التي تريد اللعبة إيصالها وهي الأمل في البقاء على قيد الحياة حتّى في أحلك الظروف، كما يعترض طريق البطل المسافر نورمان والمُكلف بتوصيل البلدان ببعضها العدو العدو المقنع هيجز وجماعته والذي يهدف بأي طريقة لمنع خطة توحيد البلدان من الحدوث.
حتّى الآن الأمر يبدو عاديًا. لديك البطل والعدو والأصدقاء والهدف وتفاصيل العالم والقصة تتمحور حول استطاعة البطل تحقيق هدفه وإنقاذ العالم وهزيمة الشر بالاعتماد على مساعدة أصدقائه والقدرات المميزة التي يمتلكها، إذا ما هو الغريب والمحير في اللعبة وخاصة مشهد النهاية الطويل والذي يتعدى مدته الساعتين من الوقت؟
كل شيء كان مجرد كذبة
الحقيقة الأولى التي ترتكز حولها جميع الحقائق الأخرى هي أن بريدجيت ليست والدتك (والدة سام) وبدورها فإن أميلي ليست أختك أيضًا.
نعم يتذكر سام أنه كان يلعب مع أخته وهو صغير على الشاطئء، وهذا يثبت أنها كانت شخصية حقيقية في نظره، لكنه يكتشف أنه لم يوجد أحد قد قابل أخته فعلًا على الحقيقة بخلافه هو فقط، إذًا من هما بريدجيت وأميلي في الحقيقة؟
ببساطة شديدة بريدجيت وأميلي هما وجهان لعملة واحدة، والإثنتين هما عنصر النهاية أو كيان الإنقراض Extinction entity ولكن في شكل إمرأة أو إمرأتين.
هذا الكيان هو المسؤول الحقيقي عن خلق ظاهرة جنوح الموت للمرة السادسة بعد أن حدثت خمسة مرات من قبل في تاريخ البشرية.
يحاول المطور بشكل أو بآخر أن يقدم تفسيره الخاص لتاريخ البشرية ويقول أن واحدًا من ظواهر جنوح الموت السابقة كانت السبب في إنقراض الديناصورات، وهكذا استمرت الظواهر الأخرى في التتابع حتّى وصلنا إلى العنصر المؤسس والمفعل للظاهرة رقم 6 وهي أميلي.
بمعنى آخر يمكن اعتبار هاتين الإمرأتين هما العدو الحقيقي الذي سيتسبب في حدوث ظاهرة جنوح الموت والموضوع قد يبدو غريبًا لكن اليابانيين دائمًا يحبون تحويل الكوارث والأشياء المجردة من التفكير في أعمالهم الفنية إلى شخصيات يمكننها أن تتفاعل وتتحدث معك.
المشكلة هنا أن نطاق جنوح الموت التي تريد بريدجت أن تتسبب فيه ليس بسيطًا مثل الظواهر التي سبقته، بل هذه المرة يمكن أن نطلق عليه جنوح الموت الحقيقي أو الأقوى حتّى هذه اللحظة وذلك بسبب أنك أنت نفسك قمت بتوصيل جميع المناطق التي يعيش فيها الأحياء ببعضها البعض، وهكذا ساعدت في أن تجعل اصطدام البعد الآخر بالعالم الواقعي ذو تأثير شامل على الكوكب كله بدلًا من مدينة أو منطقة واحدة.
ملخص الأمر: يجب أن تقتل أميلي وتوقف ظاهرة جنوح الموت إلى الأبد، أو في الحقيقة لن تستطيع أن توقفها لأنها تحدث وستستمر في الحدوث طالما يولد الناس ويموتون في هذا العالم. كل ما تستطيع فعله هو أن تؤخر حدوث النهاية قليلًا عن طريق منع حدوث جنوح الموت الذي خططت له أميلي منذ بداية اللعبة.
الحياة بعد الموت وعلاقتها مع نهاية Death Stranding
ربما يتسائل اللاعب عن نقطة وهي أنه إذا كانت حدثت نهاية العالم خمسة مرات من قبل فلماذا إذن لا تزال توجد حياة على الأرض حتّى الآن؟
التفسير هو أن كل كيان إنقراض رغم أنه لا يستطيع مقاومة وظيفته الأصلية التي تحدد كيانه وهي تدمير الحياة كان ينتهي به الأمر بحب البشرية وإبقاء البعض منهم حيًا رغم كل شيء.
نفس الأمر يحدث عندما يتحدث سام مع أميلي بدلًا من قتلها وينتهي بها الأمر بالعدول عن خطتها الأساسية ورغبتها في تدمير البشرية لأنها أصبحت تثق في سام ونظرته وقدرته على إيجاد المعنى في الحياة وعدم الانسياق وراء مشاعر اليأس والموت، وبالطبع لم يكن لتكون شخصية سام مؤثرة لولا رحلته الطويلة التي تحدث خلالها مع العديد من الأشخاص وغيرت وجهة نظره في الحياة بشكل عام.
بمعنى آخر واقتبس من كلماتها: كل ما يراه الكيان هو نقطة النهاية، والحياة مجرد خط طويل للوصول إلى هذه النقطة، إذًا فيجب عليها العمل وتسريع عملية الموت من خلال ربط عالم الأحياء بالأموات لتحقيق النتيجة الحتمية للبشرية، لكن الآن وبعد اختبار قدرة البشريين على التواصل معًا لمواجهة الكوارث وكل التحديات التي لا مفر منها يغير طبيعة الكيان ويجعله أو يجعلها ترى أن الانقراض ليس النهاية بل هو فرصة لبداية جديدة.
أخيرًا وبعد التصالح مع سام، يختار الكيان قطع الصلة بين شاطيء الأموات وعالم الأحياء إلى الأبد.
نهاية Death Stranding توضح حقيقة سام
يحل السلام، ويعد الجميع بالعمل الجاد لإبقاء الحياة سالمة وجميع المدن في اتصال وتعاون دائم، لكن تبقى بعض النقاط البسيطة العالقة، منها الأصل الحقيقي لشخصية سام بعد أن تم إثبات أن بريدجيت ليست والدته الحقيقية، بالإضافة إلى الأحلام الغريبة التي تنتاب سام بين الحين والآخر ويظهر فيها شخص غريب يلعب مع الطفل الصغير ويقوم بتأدية دوره الممثل Mads Mikkelsen أو شخصيته داخل اللعبة Cliff Unger.
تفسير الأحلام يمكن الوصول إليه بسهولة من البداية وهي أنها الرؤى التي كان يراها الطفل الصغير عندما كان يمتلكه Cliff Unger قبل أن تنتقل ملكيته إلى سام، ومثل القصص العاطفية في الأفلام تتغير نظرتنا إلى Cliff بعد أن حاربناه في اللعبة لنعرف أنه والد الطفل الحقيقي، وأنه لا يزال يرغب في استعادته مرة أخرى من قبضة المنظمة التي أنشأتها بريدجت.
أرادت بريدجت أن يكون الطفل سلاحًا فعالًا في مواجهة وحوش BT والإحساس بهم، ومن أجل ذلك قررت التخلص من أي معارضة والتي تتمثل في Cliff وزوجته، الأمر الذي جعل كليف ينتقل إلى العالم الآخر بعد الموت غاضبًا يبحث عن الانتقام بأي شكل، ولكن في نفس الوقت تعطف بريدجيت على هذا الطفل الصغير الذي أصبح وحيدًا وتأخذه ليعيش معها في عالم الشاطئ، وهذا الطفل هو سام بورتر بريدجز.
هذا يفسر لماذا يتذكر سام أنه كبر مع أميلي وأنه كان يلعب معها على الشاطئ. هذه الذكريات لم تكن خاطئة، وذكريات الطفل في الحقيقة كانت ذكرياته هو، ولكن على غير المتوقع، لن يترك القدر سام وحيدًا في النهاية.
نهاية Death Stranding السعيدة
أراد القدر أن يجعل سام يتذكر أن هناك أناس يحبونه رغم كل شيء ويكتشف ذلك عندما يحمل الطفل في يده في النهاية، ويكتشف أنها طفلة حية وأنها كذلك ابنته الحقيقية التي لم تولد.
توضح السجلات الخاصة بلوسي زوجة سام المتوفية قبل بداية أحداث اللعبة والتي يمكن جمعها أثناء اللعب أن ابنتهما كانت تبلغ من العمر 28 أسبوعًا قبل أن تحاول الأم الانتحار عن طريق أخذ الحبوب. هذا يفسر وجود قدرات خاصة للطفل أو الطفلة مشابهة لقدرات سام لأنها ورثتها منه في الأصل.
ويمكن القول أن هذه الرابطة المتأصلة بين الأب والابنة هي التي سمحت لسام بتذكر الرابطة التي تجمعه مع والده. ربما تواصل سام في البداية مع الطفلة كان صدفة، ولكن نكتشف مع الوقت أنه كان مصيرهما المشترك.
سام لم يفقد طفلته أبدًا، وكليف استطاع مقابلة ابنه وحفيدته في النهاية رغم كل شيء.
بكاء سام في النهاية كان دموع الفرحة وليس الحزن، وهو يستحق ذلك بعد كل ما مر به.
Death Stranding رغم عالمها القاتم والمؤلم هي في الحقيقة قصة عن الأمل والمثابرة والرغبة في الحياة وتجاوز الخلافات والإتحاد معًا في مواجهة المخاطر، واعتقد أن هذه رسالة يحتاج الكثير منا إلى أن يسمعها ويلتزم بها في عصرنا الحالي مهما كان مركزه أو مكانه في الحياة .. ويُمكن القول أن نهاية Death Stranding كانت واحدة من أفضل التجارب التي عشتها.