سلسلة ألعاب دارك سولز ليست مجرّد مجموعة صعبة من التحدّيات والقتالات. في الحقيقة بمجرّد أن تفهم أسلوب اللعب تصبح المهارات اللازمة للبقاء على قيد الحياة شيئًا غريزيًا ولن تعود اللعبة مبهرة كما كانت في البداية.
الجميل أن هذه السلسلة الخيالية لديها الكثير لتقدّمه غير الأعداء الشرسين والقتالات الجذابة. دارك سولز بلا شك، واحدة من أكثر سلاسل الألعاب الساحرة التي جربّتها على الإطلاق.
ألعاب دارك سولز مليئة بالمفاجآت والمشاعر والمواقف التي لمست قلبي قبل عقلي، وبعضها جعلني انتفض من مكاني حرفيًا وأقول “يا إلهي”.
الخوف، الرعب، الأمل، الوفاء، الانبهار، وحتّى القرف والجنون، كل هذه المشاعر المختلفة يمكنك أن تحصل عليها من نفس المكان وهو سلسلة ألعاب دارك سولز.
في هذا المقال أتكلّم عن عشرة مواقف أو مشاعر انتابتني بخلاف مشاعر الرعب والعجز التي تنتابني دائمًا مع كل مواجهة رئيسية جديدة.
مشاعري في هذه اللحظات مازلت أتذكّرها كما لو كنت عشت هذه المواقف البارحة، وكل موقف منهم يجعلك تتأكد أن سلسلة دارك سولز مميزة، وأن هذه المواقف لا يمكنك أن تعيشها مع أي لعبة فيديو أخرى مهما بحثت.
اقرأ أيضاً: 8 لحظات أحببناها في لعبة The Witcher 3
تنويه: هذا المقال يتضمن حرق لبعض أحداث سلسلة ألعاب دارك سولز لذلك تابع القراءة على مسؤوليتك الخاصة.
خطف الأنفاس (Demon’S Souls)
في Demon’s Souls يتجه اللاعب إلى لاتريا، أرض برج الملكة العاجي والذي يحتوي على كنيسة يقوم فيها الناس بعبادة هذه الملكة كما نلاحظ من الرسوم على نوافذ الزجاج الملّون داخل الكنيسة.
الموضوع سيكون بسيطًا لو أنك تقوم بمحاربة نسخة زومبي مثلًا من الملكة أو ما شابه (لا يوجد قوانين في هذا العالم على أي حال) لكن الموضوع في الحقيقة أكثر وحشية من ذلك لأنك تكتشف أن هناك رجلًا عجوزًا قد انتقم من الملكة عن طريق قتلها وصنع دمية متحرّكة بالحجم الطبيعي على صورة ملكة اللاتريا المقتولة، وهذه هي معركة Fool’s Idol.
Fool’s Idol أو المعبود الكاذب هو اسم على مسمّى لأن الرجل العجوز كان يستعمل دمية الملكة لخداع السجناء وجعلهم يعتقدون أن الملكة لا تزال على قيد الحياة، وهذا كان يعطيهم الأمل في طلب العفو ويمنع حدوث أي تمرّد. لكن في الحقيقة هو يستعمل أرواح هؤلاء المساجين لصناعة شياطين جدد.
المبهر فعلًا كان في المقطع الصغير الذي يسبق المواجهة مع هذا الوحش، ترى فيه دمية الملكة تهبط من السماء ويحيط بها الزجاج الملون وضوء الشموع الخافت في لوحة بديعة تخطف الأنفاس، والتي استطاعت أن تنقل لك شعور المساجين أمام هذه العظمة السحرية المخيفة وكأنها ملاك يهبط من السماء.
جدير بالذكر أنه خلال المعركة نفسها يمكن للملكة أن تستعمل التعاويذ السحرية مثلك تمامًا، كما أنه لا يمكن هزيمتها إلا عن طريق قتل الرجل العجوز نفسه والذي يقبع في أعلى الكنيسة أو البرج العاجي.
الوصول إلى السماء (Demon’S Souls)
لا تخلو الأراضي الموجودة في ألعاب دارك سولز من المخاطر والكائنات المخيفة أو الفرسان الأقوياء، لكن هذا لا يعني أن السماوات أكثر آمانًا.
في أحد الأماكن المتقدّمة بلعبة Demon’s Souls، يستطيع اللاعب مواجهة وحش شبيه بسمكة الرقيطة يُطلق عليه اسم Storm King، وهذا بسبب أنه لا يعوم في الماء مثل الأسماك، بل هو يطير في الهواء مع رفاقه من أسماك الرقيطة الصغيرة، ونعم يجب عليك هزيمته وهو يطير ولن يهبط على الأرض من أجلك.
الموضوع يبدو صادمًا للغاية عندما تتعرّض له لأول مرة، لكن المعركة في الحقيقة سهلة للغاية. أرض المعركة نفسها عبارة عن غابة مليئة بالكتل الحجرية المتراصّة بجانب بعضها البعض. عليك أن تتفادى هجومات ملك السماء وأنت تبحث عن سيف حاكم السماء Storm Ruler، وتستخرجه من وسط هذه الأحجار.
المثير هو أن السيف يمتلك قدرات خاصة تمكنّك من تسديد هجمات ريح ذات مدى بعيد على خلاف جميع السيوف الأخرى الموجودة في اللعبة، ولا يتمكّن السيف من تفعيل هذه القدرة إلا داخل المعركة مع حاكم السماء فقط.
الموضوع بأكمله مثير جدًا، أن تشعر أن كل شيء مصمّم وموضوع بعناية في هذه المعركة ليخدم شيئًا ما، وأنك قد حصلت على قوة وقتية تمكنّك مع كسر الحدود التي وضعتها اللعبة من أجلك. أنت لا تطير فعلًا، لكنّك تصل إلى السماء بطريقتك الخاصة.
أعجبني كذلك أن هناك معركة مشابهة في Dark Souls 3 يُعاد فيها استعمال نفس الفكرة، وهي معركة العملاق Yhorm. يمكنك أن تحصل فيها على سيف بنفس الأسم والخصائص وتستعمله لإلحاق الضرر البالغ بهذا العملاق القوي.
الرعب (Dark Souls)
نعم أعرف أن السلسلة بالكامل تحتوي على وحوش مرعبة كثيرة، لكن عندما تعتاد على الأمر يقل الانبهار، فهي في النهاية مجرّد لعبة أليس كذلك؟ لكن لو أردت اختيار لحظة مرعبة فعلًا طوال فترة تجربتي مع السلسلة، فبلا شك هي المعركة مع الملوك الأربعة Four Kings.
المثير في المعركة كانت طريقة تصميم ساحة القتال نفسها، والتي كانت سوداء اللون بدون أي أشكال مرئية على الإطلاق، ظلام دامس يحيط بك من كل مكان ولا يسمح لك برؤية أي شئ حتّى الجدران غير المرئية الموجودة في المكان.
الملوك يخرجون لقتالك واحدًا تلو الآخر بمعدّل واحد تقريبًا كل أربعين ثانية، ويمكن أن يتواجد الأربعة جميعًا مرة واحدة إذا تأخرت في هزيمة واحد منهم، أو حتّى من الممكن أن يخرج لك ملك خامس إذا لم تقم بمهاجمة الملوك وهم يموتون.
شعور غريب ومرعب جدًا ينتابك بسبب أن اللعبة قامت بسرقة شيء اعتدت على وجوده معك طوال الوقت وهو الضوء.
وفي الحقيقة الأمر كان متوقعًا لأنه لا يمكن زيارة هؤلاء الملوك إلا عن طريق الحصول على خاتم يسمح لك بالدخول في الظلمات السحيقة، لكن لم أتخيّل أن تعني هذه اللعبة الموضوع حرفيًا عن طريق جعل المعركة تدور بالكامل في الظلام الدامس.
الوفاء (Dark Souls)
في معظم ألعاب الفيديو النموذجية، إذا جعلتك المعارك الرئيسية تبكي، فعادةً ما يكون ذلك بسبب الإحباط أو اليأس، لكن هذا ليس الحال مع قتال روح الذئب الرمادي Sif، والتي تجعلك تستحضر مشاعر أخرى غير متوقعة مثل الحزن والألم.
شكل الروح نفسها أيقونية جدًا، الذئبة لا تقاتلك باستعمال أسنانها ومخالبها، بل تأخذ سيف مالكها الميت وهو البطل الفارس Artorias، وتواجهك في أعماق غابة هادئة يقبع فيها قبر هذا الفارس، كل التفاصيل تضفي نوعًا من الدفء على المعركة وأزال شعوري بالقلق على الرغم من أنني أواجه ذئبًا عملاقًا سريعًا وقويًا.
يميل معظم الرؤساء في اللعبة إلى البدء في استخدام هجمات أو تكتيكات جديدة عندما تنخفض نقاط حياتهم إلى النصف، ولكن روح Sif تبدأ في العرج والألم وتتحوّل المعركة المثيرة في ثوان إلى صالة إعدام ويتوجّب عليك قتل الروح وتخليصها من عذابها بينما هي مستمرّة في المحاولة والقتال وترفض السماح لك بالبقاء على هذه الأرض المقدّسة بالنسبة لها.
اعتدنا من المطوّر على وجود بعض الوحوش أو التحديات الاختيارية في الألعاب، لكن للأسف روح Sif ليست واحدة منهم. الاضطرار إلى قتل Sif شرط رئيسي من أجل إنهاء اللعبة، وحزنت عليها كثيرًا رغم أنني لا أعرف السبب الحقيقي الذي يجعلها تستميت وتتألم بهذا القدر.
سعدت كثيرًا بعد فترة بإمكانية استدعاء هذه الروح مجددًا في إحدى القتالات في حزمة اللعبة الإضافية، والتي تسمح لك بالعودة مجددًا إلى الماضي لأيام كانت فيها الروح حيّة وسعيدة.
أحسست وقتها أنني سعيد للغاية لأنني أرى هذه الصديقة القديمة وأحارب معها جنبًا إلى جنب في المعركة الرئيسية التي تسببت في موتها وموت سيدّها الشجاع، وبعد انتهاء المعركة قمت بتوديعها وحزنت حزنًا إضافيًا لأنني عرفت سبب الألفة الذي انتابتني أول مرة قابلتها، وسر الألم الذي ظلت تكتمه داخلها لقرنين من الزمان (نعم ألعاب دارك سولز يمكنها أن تجعلك تتعلّق بأشياء لا تعرف لها سببًا وتتعاطف معها كذلك).
الوصية (Dark Souls II)
هذا الحوار يمكن الاستماع إليه في بداية الحزمة الإضافية للعبة Dark Souls II عن طريق الذهاب إلى غرفة الملك Vendrick والاستماع لذكرياته قبل أن يفقد نفسه ويصبح مفرغًا.
شخصيًا اعتبر هذا من أفضل المشاهد التحضيرية في عالم الألعاب. يتكلّم الملك عن ماضيه المؤلم، وكيف يمكن اثبات القوة وتحقيق الأماني في هذا العالم. يتكلّم كذلك عن الضعف وقلّة الحيلة، والتعطّش للسلطة الذي يمكنه أن يصيب العديد من الرجال بالعمى عن كل ما هو صحيح.
إذا قام اللاعب بجمع جميع التيجان المطلوبة من الوحوش الموجودة في الحزمة الإضافية، يتغّير كلام الملك، ويصبح مفعمًا بالأمل، ويحلم بعالم تذهب منه النار، ويصبح الظلام مجرّد أسطورة، وتختفي أطماع الناس إلى الأبد.
ربمّا لم تعجب Dark Souls II العديد من اللاعبين لمختلف الأسباب، لكن هذه الجمل البسيطة هي ما دفعتني بحق لأتعب وأستمر في مشاهدة قصة هذه السلسلة حتّى النهاية، لأحقق حلم هذا الملك البائس في غدٍ أفضل.
الانبهار (Dark Souls III)
الصورة لا تحتاج إلى شرح، عندما تلقي نظرة واحدة عليها يمكنك أن تستنج كل ما أريد قوله. أتذكر أننّي عندما وصلت لهذا المكان لأول مرة -Irithyll of the Boreal Valley- لم أتحرّك وجلست فترة لالتقط أنفاسي واستوعب وجودي في هذا المكان البديع.
أعتقد أنني ذرفت الدموع لبعض الوقت كذلك. فبعد العديد والعديد من المعارك في الأراضي القاحلة والقلاع الملتهبة، لم أتوقع شيئًا مثل ذلك على الإطلاق. أنا أعرف أن ألعاب دارك سولز كانت دائمًا ما تشبه اللوحات مع كل التفاصيل التي يتم إدخالها ولكن مع Irithyll بدا أن الأمر وصل إلى مستوى جديد.
مدينة اسطورية تتوسطّها بحيرة متجمدة، ويغمرها الشفق الأبدي الممتزج مع ضوء القمر، وقطع الثلج الصغيرة المتساقطة التي تبدو مثل الأنوار وتجعل المدينة والمنازل تبدو كأنها مفعمة بالحياة.
لاحظت كذلك أنه يوجد بعض ظلال الأشباح التي تشبهني كثيرًا وشعرت أنها كناية عن مرور اللاعبين الآخرين أو فرسان سابقين من نفس المكان، مما جعلني أشعر أن مدينة Irithyll تتخطّي الأبعاد وليس حدود الجمال وحسب.
القرف (Dark Souls III)
هناك الكثير من الأسماء المثيرة للاهتمام (والقرف) في ألعاب دارك سولز بما في ذلك Ceaseless Discharge (التفريغ المستمر) و Monstrosity of Sin (مسخ الخطيئة) وبالطبع Pus of Man (صديد الرجل).
أنت تواجه هذا الصديد لأول مرة على أسطح المنازل بجوار حائط Lothric، ويكون مختبئًا بين صفوف الوحوش الطبيعية الضعيفة.
عندما تبدأ في تلويح سيفك وأنت مطمئن تجد أحدهم قد تحول فجأة من رجل ضعيف صغير إلى كائن دودي غريب يشبه الوحوش الموجودة في سلسلة أفلام الرعب Tremors.
لا تتوقّف المفاجآت عند هذا الحد، بل إذا تعمّقت أكثر في عالم اللعبة والمحتوى القصصي وراء هذا الصديد تكتشف التاريخ العميق الذي تسبب في هذه الظاهرة، والتي نلاحظ تأثيرها على العديد من وحوش اللعبة بأشكال مختلفة مثل Iudex Gundyr الوحش الرئيسي الذي يواجهه اللاعب عند دخول اللعبة لأول مرة، والذي يتحوّل في منتصف المعركة إلى كتلة داكنة تشبه الثعبان مع ذيل ومخلب ينفصل عن جسده، مما يجعل مداه القتالي يزداد إلى حد كبير.
الفكرة نفسها في جعلك تعتقد أنك حصلت على عملية قتل بسيطة ونقاط خبرة سهلة، ثم تحويلها إلى مخلوق متوحّش لا يموت بسهولة هو سمة مميّزة لمطوري ألعاب دارك سولز الذين يريدون تعذيب اللاعبين بأي طريقة وفي كل لحظة.
الزواج (Dark Souls III)
لم يكن الزواج أمرًا متوقّعًا في ألعاب دارك سولز لكنه موجود، وبالطبع بدلًا من التعامل مع زواج تقليدي مثل باقي الألعاب، يمكن للاعب العثور على زوجته Anri في انتظاره مقتولة وملقاة في مقبرة القمر المظلم.
طقوس الزواج أيضًا رائعة للغاية، يجب على اللاعب القيّام بعدّة خطوات للحصول على السيف الاحتفالي Ceremonial Sword (وليس خاتم زواج كما كنا نتوقّع) ثم يغرزه بقوة في وجه جثة Anri ليفتح النهاية السرّية للعبة Dark Souls III.
هناك العديد من النظريات والتكهّنات بشأن ما يعنيه هذا الموضوع، لكن المؤكد وطبقًا للنص المكتوب على السلاح وكلام الشخصيات، هذا هو الزواج في عالم لعبة Dark Souls.
ترى في ماذا كان يفكّر المطوّر وهو يكتب هذا السيناريو العجيب؟ لن نعرف أبدًا.
ألق نظرة على حسابنا في انستقرام، إن أعجبك المحتوى سنكون سعداء بمتابعتكم لنا. (من هنا)