في بعض الأحيان، يمكن للفرد أن يعيش حياة الناس الآخرين، ويذهب إلى أماكن جديدة، وأزمنة جديدة، وعوالم جديدة بالكامل. الفرد الذين ينجذب إلى هذا النوع العجيب من المتعة يُطلق عليه اسم “الممثّل”
حتّى يعلن المخرج عن نهاية المشهد، يعيش الممثّل حياة جديدة لم يعرفها من قبل، ويجعله ذلك يكتشف بعض الأشياء الجديدة عن نفسه والتي كان يجهل بوجودها قبل تمثيل الدور، كما يضعه هذا الأمر في العديد من التحدّيات العقلية والنفسية حتّى يستيطع تصوير المشهد بالشكل الصحيح.
هذه هي الفكرة العامة وراء Layers Of Fear 2، والتي تحكي لنا مغامرة عن الممثل الذي يذهب في رحلة لتطوير قدراته التمثيلية على سطح سفينة عائمة بناء على كلام صديقه المخرج، ولكن هذه الرحلة لا تسير بالشكل المطلوب، والمغامرة تتحّول تدريجيًا إلى رحلة مرعبة تجعلك تتوغّل في أعماق نفسك حتّى تصل إلى طريق الخروج.
لعبة Layers Of Fear 2 تصدر على بلاي ستيشن 4 وإكس بوكس ون (تمت تجربتها) والحاسب الشخصي في 29 مايو.
Layers Of Fear 2 ..
رحلة نفسية مرعبة داخل عقل ممثّل السينما
أنت تبدأ بالتحّكم في شخصية الممثل وتبدأ في البحث عبر السفينة عن دلائل لمعرفة أين تذهب وما الذي يجب عليك أن تفعله. اللعبة تدور بأكملها من منظور الشخص الأول وتعطيك بعض الأوامر البسيطة التي يمكنك استعمالها مثل فتح الأبواب والتفاعل مع عناصر البيئة المحيطة، ويمكنك زيادة سرعة السير متى أردت ذلك.
يمكنك ملاحظة بعض قصاصات الورق المتروكة في السفينة في مناطق مختلفة، والتي تعطيك بعض اللمحات عن مغزى وجودك في هذا المكان، والأحداث التي تسبّبت في اختفاء جميع الركّاب من على سطح السفينة.
بعد فترة قصيرة، تبدأ في سماع صوت قوي سوف يلازمك لفترة طويلة من اللعب، وهو صوت المخرج الذي نصحك بالحضور إلى هذا المكان، والذي ينوي وضعك في اختبارات نفسية لتصبح ممثلًا حقيقيًا حسب الشكل الذي رسمه هو لك.
هنا تصبح القصة نوعًا ما غامضة، لكنه الغموض الذي يثير فضولك، ويدفعك لعقد النظريات المتعددّة عن ملابسات القصة وحقائق الأمور، وهذا الشعور بالحيرة يلازمك كثيرًا وحتّى قبل اللحظات الأخيرة من اللعبة تجد نفسك دائمًا تتسائل عن المغزى وراء كل مشهد تلعبه وتحاول تحليله مرارًا وتكرارًا.
يستعمل المخرج بعض الأساليب المعروفة في عالم السينما لدفع الممثّل البطل وإخراج طاقاته الكامنة، أولّها أسلوب Method Acting، وهو نوع من التمثيل يعتمد على تذكّر الممثل لأحداث سابقة من الماضي ويتّذكر ما الذي كان يشعر به وقتها ليتستطيع توظيف هذه المشاعر بالشكل الأمثل في دوره الحالي.
يمكن لهذا الأمر أن يسير بشكل عكسي أيضًا، حيث أنه عندما تحدث لنا بعض الأحداث المؤلمة أو المحزنة، نلجأ للهروب منها عن طريق صناعة شخصية مختلفة عن شخصيتنا الأصلية، وهذه الشخصية الجديدة تستطيع أن تتعامل مع الظروف الصعبة التي نُجبر عليها.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نعتبر أن جميعنا ممثلّين بشكل أو بآخر. يقول المخرج للممثّل في اللعبة: “هل تتذكّر ما الذي كنت عليه قبل أن يقول لك العالم من أنت، وما هو الشيء المُفترض أن تكون عليه؟”
يتعب المخرجون في وقت ما من رؤية هذه الوجوه المُصطنعة، ويبحثون عن الواقعية حتّى لو كانوا مضطرّين إلى تهشيم هذه الأقنعة التمثيلية، من أجل أن يقوموا بتصوير شيئًا لم يراه أحد من قبل، ولكن هذه الطريقة في بعض الأحيان تجعلهم يحيدون عن الطريق الصحيح، ويجبرون الممثلّين على القيام بأمور غير عادية وغير آدمية على الإطلاق.
في بعض الأحيان، بسبب ضيق الوقت وظروف التمثيل، يضطر الممثلون إلى تمثيل مشاهد طويلة في لقطة واحدة بدون إنقطاع، وهذا متعب للغاية لأنه يحتاج من الممثّل إلى التركيز لفترات طويلة وحفظ العديد من الجمل. تقدّم اللعبة هذا الأمر كتحدى من خلال تصوير مستويات اللعبة كأنها مشاهد سينيمائية، عليك أن تقوم بإتمامها في بعض الأحيان بدون أن تموت أو تخطئ (أو تخالف تعليمات المخرج في بعض الأوقات) حتّى تنجح في تصوير المشهد بالشكل المطلوب، وهذه الطريقة في إخراج المستوى أعجبتني كثيرًا.
هناك طريقة أخرى مختلفة عن تذكّر الماضي، ويتم التطّرق إليها في اللعبة كذلك، وهي أن تلغّي نفسك الحقيقية تمامًا، وتصنع شخصية جديدة مختلفة مناسبة للتعامل مع الجمهور.
لكن هذا الأمر خطر جدًا لأنه يمكن أن يجعل الممثّل يفقد الهوية الحقيقية له للأبد، وهذا يتم توضيحه في الوحش الذي يسير ورائك مرارًا وتكراراً داخل اللعبة، والذي يُطلق عليه اسم Formless Man، والذي يبدو من فكرته أنه نوع من المواجهة النفسية مع شخصيتك الحقيقية، لكنه لا يظهر إلا في مناطق معيّنة محددة داخل اللعبة ومعظمها عبارة عن مطاردات مما يجعله عنصرًا غير مؤثرًا تمامًا في إضافة الرعب على جو اللعب العام.
تتغّير الشخصية التي تلعب بها مرارًا أثناء اللعب، وهذا يُلاحظ من أطوال الشخصيات مقارنة بالبيئة المحيطة، والأداء الصوتي لهم. لا يتضّح كثيرًا ما إذا كانت الشخصيات التي تقابلها أو تلعب بها خلال قصة اللعبة هي شخصيات حقيقية، أم هي فترات في حياتك الماضية، أم أنها أمور خيالية بالكامل من صنع مخيّلتك، عليك أن تقوم بجمع الدلائل المنتشرة في أشكال عديدة عبر فصول اللعبة الخمس لمعرفة حقيقة هذه الأمور المحيّرة.
يمكنك أن تقوم بجمع صور صغيرة لوضعها في كاميرا قديمة يمكن الوصول إليها في بداية كل فصل جديد، ويمكنك جمع بعض الأفلام القديّمة التي تمثل بداية كل فصل كأنك تشاهد فيلمًا تسجيليًا عن حياتك. هناك كذلك العديد من بوسترات أفلام السينما التي تبدو مأخوذة من أعمال حقيقية، وهناك بعض تسجيلات الجرامافون التي تحكي لك ماضي إحدى الشخصيات الرئيسية في اللعبة.
جميع هذه الأمور ضرورية للوصول إلى نهاية اللعبة الحقيقية (أو نهايات اللعبة المختلفة وهي ثلاث نهايات). عليك أن تقوم بجمع كل شيء تراه وتهتم بكل تفصيلة صغيرة في كل غرُفة من أجل أن تحصل على النهاية المطلوبة وتفهم فكرة اللعبة بالكامل.
هذا يختلف عن الجزء الأول الذي كان يقدّم لك نهاية الأمر مهما حصل، لكن يمكنك التعديل في النهاية كما تريد، في Layers of Fear 2 لا يمكنك الوصول إلى النهاية مطلّقًا إلا إذا انتهيت من جمع كل شيء في اللعبة بالكامل.
هذا يعني أنك لن تستطيع الحصول على كل شيء في المرة الأولى التي تلعب فيها، ستحتاج إلى إعادة اللعب عدّة مرّات -مرة اللعب الواحدة تستغرق خمس أو ست ساعات على الأقل للانتهاء منها- حتّى تستطيع الوصول للأشياء التي قد تكون قد فوّتها في المرة الأولى.
إعادة اللعب لم تكن ممتعة بدرجة كافية، خاصة أنك تحتاج إلى التوقّف والتدقيق في كل ركن مما جعل اللعبة مملّة قليلًا، خصوصًا أنك تعرف ماذا يمكن أن يحدث منذ المرة الأولى بدون إضافة أي شيء جديد عند الإعادة.
لا يوجد طريقة معيّنة كذلك لمعرفة ما هي الأمور المتبقّية التي يجب عليك جمعها في كل فصل، ولا توضّح اللعبة ذلك بالشكل المطلوب، بل تعرض عليك مجموعة من الصور والأفلام في غرفة البداية لكن لا توضّح أماكن هذه الأشياء وعددها في كل فصل.
كما أنه عند الحصول على عنصر من العناصر، عليك أن تقوم بالانتهاء من الفصل الكامل حتّى يتم تسجيل الشيء الذي حصلت عليه، ولا يمكنك العودة من أي نقطة تريدها في أي دور، عليك أن تبدأ الفصل كاملًا منذ البداية، وهذا لم يكن ممتعًا أبدًا في لعبة تجبرك على العودة والتجميع والتدقيق.
بجانب فكرة التمثيل، تستعمل اللعبة العديد من الأفكار مثل القفزات المرعبة، وألغاز الغرف المغلقة، وتغيير شكل الغرفة كلما نظرت إليها. هناك بعض الخدع البديعة في تقسيم وتحديد أماكن أبواب الغرف في هذه اللعبة، مثل دمج الباب داخل فيلم سينيمائي يعمل أمامك، أو النظر من خلال فتحة المفتاح لكي تجد نفسك دخلت هذه الغرفة التي نظرت إليها من الفتحة. شكل الرسّوم الجديد والمحسّن في اللعبة عن الجزء السابق سمح بدمج الحقيقة والخيال والأضواء لخلق تجارب مجنونة جديدة فاجئتني كثيرًا.
من الجيد أنني لم أجد نفسي عالقًا في أي غرفة بسبب حيرتي، اللعبة تسهّل عليك كثيرًا معرفة أين وكيف تذهب، لكن على الجانب الآخر ليس هناك عدد كافي من الألغاز إلا أربعة أو خمس ألغاز فقط، ويمكن حلّهم بسهولة شديدة في لحظات بسيطة، كما أن القفزات المرعبة ليست مرعبة فعلًا بالقدر الكافي، وتستعمل ثوان بسيطة جدًا من وقت اللعبة ولا تعطيك حتّى الوقت الكافي لكي تتأثر فعلًا برعب المشهد أو القفزة المرعبة.
تستعمل اللعبة الكثير من عناصر الإلهام من بعض أفلام الرعب خصوصًا فيلم The Shining، ولاحظت ذلك في الحوائط والأبواب التي تخرج منها شلالات الدماء، وتعيد إنتاج بعض المشاهد من العديد من الأفلام الأخرى المشهورة كذلك مثل Fight Club. كل هذا مصحوب ببعض المؤثرات الصوتية المرعبة التي تستعمل آلات وترية ذات أصوات عالية يمكنها فعلًا أن تلقى الرعب في قلبك.
تستعمل اللعبة كذلك خاصية Binaural Audio، والتي جعلت الأداء للصوتي للشخصيات مجسمًا، ونجحت في جعلك تنغمس أكثر فأكثر في جو اللعبة وكأنك بالفعل تعيش هذه الأحداث مع البطل، خصوصًا عندما تضع السماعات وتطفئ الأنوار، يغير هذا الأمر من تجربتك للعبة بالكامل.
أنت لا تلعب قصة اللعبة فحسب، بل أنت تقوم ببناء شخصيتك بالكامل، كنوع من التنويم المغناطيسي الذاتي، وذلك عن طريق مجموعة من الاختيارات التي تقوم بها أثناء اللعبة بجانب العناصر التي تقوم بتجميعها، الموضوع يبدو كأنك تعود إلى الحياة مئات المرات، وفي كل مرة تقوم بفعل شيء مؤثر يجعلك تشاهد الأمور بشكل جديد ومختلف.
موضوع اللعبة وطريقة تقديمها أثارت إعجابي بشكل كبير، وجعلني أحترم مهنة التمثيل أكثر فأكثر، ورغم أن بعض الأمور داخل اللعبة ليست حقيقية بالطبع، الفكرة العامة موجودة وهي المجهود الكبير الذي يقوم به كل ممثّل من أجل تمثيل الدور بالشكل المطلوب، وهل يمتلك العزم المطلوب ليطلق على نفسه لقب “ممثل” أم لا.
Review overview
الإيجابيات
- قصة مختلفة وجديدة عن مهنة التمثيل والحالة النفسية للممثل
- براعة في تصميم شكل المستويات والغرف المغلقة
- العديد من الأمور المحيّرة التي تدفعك للتفكير والتحليل
- إسقاطات على أفلام حقيقية مشهورة في مشاهد اللعبة
- ثلاثة نهايات مختلفة
- خاصية Binaural Audio تجعل الصوت مجسمًا ومرعبًا أكثر
السلبيات
- الحاجة إلى الاهتمام بكل تفصيلة وإعادة اللعبة مرات عديدة للوصول إلى النهاية متعّب وليس ممتعًا
- الوحش المرعب Formless Man يظهر مرات قليلة وليس مدمجًا بشكل جيد في جميع مناطق اللعبة
- لا يوجد طريقة لمعرفة ما الذي قمت بجمعه في كل فصل من فصول اللعبة
- الحاجة لإعادة الفصل بالكامل للحصول على عنصر ما تجعل الإعادة ليست جذابة
الملخص
8.3Layer of Fear 2 لعبة قصصية ممتعة عن حياة الممثلّين والصعاب العملية والنفسية التي يواجهونها خلال عملهم، تحتوي اللعبة على العديد من الأفكار الإبداعية واللحظات المرعبة والمقتبسة من أفلام رعب حقيقية، بالإضافة إلى قصة غامضة تنتظر اللاعبين لتحليلها وفهمها وثلاثة نهايات مختلفة بعد الانتهاء من اللعبة.