كيف تعمل تقنية التعرف على الوجه ؟ ﻭﻣﺎ ﺣﺪﻭﺩﻫﺎ ؟

التعرف على الوجه

أصبحت تقنية التعرف على الوجه أكثر شيوعًا في الوقت الراهن ولها الكثير من الاستخدامات المفيدة، بدايًة من إضافة الرموز المتحركة عبر انستقرام إلى توثيق الهوية وإلغاء قفل الهاتف عبر خاصية Face ID.

لكن هذه التكنولوجيا الجديدة نسبيًا يمكن أن تبدو غريبة ومُعقدة، فكيف يمكنها أن تجعل وجهك يشبه بصمة الأصابع ويكون مُفتاحًا لبياناتك المهمة المخزنة على هاتفك الذكي ؟

الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بات من الضروري أن يفهم ويدرك الجميع آلية عمل هذه التقنية. من المهم أيضًا معرفة حدود وأوجه القصور في التعرف على الوجه وكيف سوف تتطور في المستقبل ؟ الإجابة المُفصلة واردة في سطور هذه المقالة !

أنواع أنظمة تقنية التعرف على الوجه


خاصية Animoji في الآيفون

من المهم أن نعرف في البداية أن هناك أنظمة متعددة للتعرف على الوجوه أو تحديدها: الأول هو النظام الأساسي البسيط الذي يُستخدم في إنشاء الرموز التعبيريّة المتحركة “Animoji” على جوّالات الآيفون، كذلك تركيب الوجوه والمرشحات في تطبيق انستقرام وسناب شات وما شابه.

هذا النظام يعتمد على الكاميرا الأمامية لهاتفك من أجل البحث عن الملامح المميزة في الوجه. على سبيل المثال، تحديد العيون والأنف والفم… وهكذا. بعد ذلك يتم استخدام الخوارزميات لتثبيت الملصقات والتزامن مع حركة الوجه والأفعال المختلفة مثل أن يكون الفم مفتوحًا، وما إلى ذلك.

لكن هذا النظام لا يهدف إلى التعرف على الوجه من أجل توثيق الهوية، بل أنه موجه للبرامج والتطبيقات التي تبحث عن الوجوه لأغراض شبه ترفيهية.

أما الثاني فهو النظام المتعلق بتوثيق الهوية مثل الذي يُستخدم في خاصية Face ID والخواص المماثلة الأخرى.

تعتمد فكرة هذا النظام على أخذ صورة ثلاثية أو ثنائية الأبعاد لوجهك ثم قياس المسافة بين ملامح الوجه.

وفي كل مرة تقوم فيها بإلغاء قفل هاتفك، تنظر الكاميرا إلى وجهك للتحقق من مطابقة نفس المسافة ومن ثم توثيق الهوية إذا كان هناك تطابق.

النظام الثالث يهدف إلى تحديد أوجه الغرباء، وهو يُستخدم عادًة في المنظمات الحكومية والخاصة لأغراض الأمان.

إذ يتم الاعتماد على خوارزميات لمقارنة ذلك الوجه بدقة مع قاعدة بيانات محتواه الوجوه الموثوق بها أو التي لديها حق الدخول.

هذه العملية مماثلة تقريبًا لما تقوم عليه خاصية Face ID في أجهزة آبل، ولكن على نطاق أوسع. نظريًا، يمكن استخدام أي قاعدة بيانات، لكن لا بد أن تكون قائمة على الصور الواضحة المحددة مسبقًا للعمل بشكل مثالي.

دعنا نخوض المزيد من التفاصيل، لكن نظرًا لأن نظام التعرف على الوجه الأساسي المُستخدم في مرشحات انستقرام وسناب شات هو نظام بسيط وليس منه أي ضرر، فسوف نركز فيما يلي على توضيح آلية عمل نظام تحديد الوجه لتوثيق الهوية، والتقنيات العديدة المختلفة التي يمكن استخدامها لتحديد الوجه والتعرف عليه تحت أي ظرف.

تعتمد معظم أجهزة التعرف على الوجه على صور 2D

التعرف على الوجه بصورة 2D

يعتمد تشغيل تقنية التعرف على الوجه لتوثيق الهوية إما على صورة ثنائية الأبعاد أو ثلاثية الأبعاد. ولكن في الغالب، معظم أجهزة التعرف الوجه تميل بشكل تام إلى استخدام الصور ثنائية الأبعاد.

ذلك ليس لأنها دقيقة للغاية، بل لأنها تجعل من السهل على الاجهزة قراءة ملامح الوجه دون أي تعقيدات. إذ تلتقط الغالبية العظمى من الكاميرات الصور دون أي عمق، بما في ذلك الصور العامة التي يمكن تضمينها في قواعد بيانات التعرف على الوجه (مثل صور الملفات الشخصية على الفيسبوك) كلها ثنائية الأبعاد.

وبما إن الصورة بلا عمق، فهي بالتالي تفتقر إلى معرفة المميزات التي تمنحها الدقة في التعرف على الوجه.

إذ يمكن لمعالج الكاميرا أن يحدد مسافة البعُد الحدقي للعين، وكذلك عرض فمك، وهكذا من المتغيرات الأخرى في وجهك. ولكن لن تستطيع معرفة طول الأنف أو بروز الجبهة. لذلك، يكون من السهل خداع هذه الاجهزة بصورة مسطحة أو صورة على شاشة الكمبيوتر للشخص المالك للهاتف.

أضف إلى ما سبق أن التصوير ثنائي الأبعاد يعتمد على الطيف الضوئي (Visible spectrum) هذا يعني أن الكاميرا لن تستطيع التعرف على الوجه في الأماكن المُظلمة أو في ظروف الإضاءة الخافتة.

الحل بوضوح للتغلب على أوجه القصور هذه هو تصوير الوجه بشكل ثلاثي الأبعاد، وذلك بفضل وجود الكاميرات الحرارية التي تجعل ذلك ممكنًا.

استخدام الكاميرات الحرارية للتعرف على الوجه بدقة أعلى

إضافة العمق إلى الوجوه

على الرغم من أن غالبية أجهزة التعرف على الوجه تعتمد فقط على الصور ثنائية الأبعاد لتوثيق الهوية، إلا أن الأجهزة الحديثة بدأت في دعم التصوير ثلاثي الأبعاد أيضًا.

في الواقع، ليس من المستبعد أن تكون تجربتك مع تقنية التعرف على الوجه تنطوي على صورة ثلاثية الأبعاد، لكن كيف يتم إلتقاطها ؟

ببساطة، من خلال تقنية تسمى الليدار أو Lidar، والتي قد تشبه تشبه تقنية السونار. حيث تقوم مستشعرات تحديد ملامح الوجه، مثل تلك الموجودة في iPhone X، بنشر نبضات من أشعة الليزر غير ضارة على وجهك. تنعكس هذه الأشعة على وجهك ثم تلتقطها الكاميرا الحرارية (Infrared Camera) أو كاميرا ToF (اختصارا لـ Time of Flight) على هاتفك.

بعد ذلك، تقوم الكاميرا بحساب الوقت الذي استغرقه كل شعاع ليزر للوصول إلى كل جزء في وجهك ثم العودة إلى الهاتف. بطبيعة الحال، سيكون الوقت المستغرق للشعاع الذي ينعكس من أنفك أقصر من ذلك الذي ينعكس من أذنيك.

الأمر يشبه تمامًا فكرة لعبة الـ Pin Art. عامًة، تستخدم الكاميرا الحرارية أو الـ ToF هذه المعلومات لإنشاء خريطة عمق فريدة لوجهك.

بالتالي، عند المقارنة مع التصوير ثنائي الأبعاد التقليدي، يمكن للتصوير ثلاثي الأبعاد زيادة دقة التعرف على الوجه بشكل ملحوظ، وليس من السهل خداع الكاميرا لتوثيق الهوية بشكل مزيف.

كيف تنجح التقنية في التعرف على الوجوه ليلًا ؟

التعرف على الوجه في الأماكن المظلمة

من عيوب تقنية التعرف على الوجه بواسطة صور ثنائية الأبعاد هو أنها تعتمد على الطيف الضوئي (Visible spectrum) كما ذكرنا سلفًا. بمعنى أوضح، لن يمكن للتقنية أن تعمل في الظلام. ولكن يمكن حل هذه المشكلة باستخدام كاميرا التصوير الحراري التي تعتمد على الأشعة تحت الحمراء كضوء مرئي.

تلتقط هذه الكاميرا حرارة الأجسام عن طريق الكشف عن الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث منها. على سبيل المثال، الأجسام الحارة أو الساخنة تنبعث منها كم هائل من الأشعة تحت الحمراء، في حين الأجسام الباردة تنبعث منها كمية ضئيلة من الأشعة تحت الحمراء. يمكن لكاميرات التصوير الحراري أيضًا أن تكتشف فروق درجات الحرارة الدقيقة عبر الطبقة العليا من شيء ما، وبالتالي فهي تقنية مثالية للتعرف على الوجه.

لكن هناك أيضًا عدد قليل من الطرق المختلفة للتمييز بين الوجوه باستخدام التصوير الحراري. نذكر منها مثلًا، تعددية الصور. حيث تلتقط كاميرا التصوير الحراري صورًا متعددة للوجه. كل صورة تركز على طيف مختلف من ضوء الأشعة تحت الحمراء (الأمواج الطويلة والقصيرة والمتوسطة). عادة، يُظهر طيف الموجة الطويلة أكثر تفاصيل الوجه.

من بين الطرق أيضًا أن يتم الاعتماد على خارطة الوعاء الدموي في وجهك، حيث تقوم كاميرا التصوير الحراري باستخراج صورة تكوين الأوعية الدموية في وجه الشخص. إنه شيء غريب أتفق معك! لكن خرائط الأوعية الدموية يمكن استخدامها كما لو كانت بصمات فريدة للوجه.

لكن ضع فى اعتبارك أن هذه الطرق تُستخدم عادة في أجهزة التعرف على الوجه المتعلقة بالقوات المسلحة، فهي ليست بشيئًا ستجده في الهواتف الذكية المحمولة، حتى في المُستقبل. بالإضافة إلى ذلك، لا يعمل التصوير الحراري على نحو جيد خلال النهار أو في البيئات الساطعة بشكل عام.

حدود تقنية التعرف على الوجه

إلغاء قفل الهاتف بواسطة Face ID

لقد ناقشنا فيما سبق أوجه القصور في تقنية التعرف على الوجه بواسطة الصور ثنائية الأبعاد. وكما رأينا، مع الكاميرات الحرارية وكاميرات التصوير الحراري، من الممكن التغلب على بعض هذه القصور. ولكن لا تزال هناك أيضًا بعض المشكلات التي لم يتم حلها حتى الآن.

من هذه المشاكل أنه يمكن إعاقة عملية التعرف على الوجه نتيجة حدوث تغييرات في الوجه أو عند إرتداء نظارات على سبيل المثال.

أيضًا، الوضع الذي يتم فيه التعرف على الوجه يمكن أن يؤثر في فشل العملية. حيث تعمل التقنية بشكل أفضل إذا كان الوجه موجه مباشرًة أمام الكاميرا. أما في حالة إمالة الرأس قد يجعل التعرف على الوجه أمرًا صعبًا، حتى بالنسبة للأنظمة المعتمد على كاميرات حرارية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للابتسامة او شيء كهذا أن يغير من قياسات الكاميرا لأجزاء وجهك.

الضوء عنصر مهم كذلك في عملية التعرف على الوجه، سواءً كان ذلك الطيف الضوئي (في صور 2D) أو ضوء الأشعة تحت الحمراء (صور 3D). ونتيجة لذلك، يمكن لظروف الإضاءة الخافتة تقليل دقة تحديد الوجه. قد يتغير مستقبلًا، حيث يقوم العلماء حاليًا بتطوير تقنية التعرف على الوجه باستخدام السونار.

وبدون قاعدة بيانات جيدة، لا يمكن التعرف على الوجوه – بل ومن المستحيل تحديد وجه لم يتم التعرف عليه مُسبقًا. وإعتمادًا على حجم قاعدة البيانات وتنسيقها، قد تستغرق الأجهزة بعض الوقت لتحديد الوجوه بشكل صحيح.

حتى الآن، أفضل طريقة للتغلب على هذه المشاكل أو العيوب هي استخدام أشكال أخرى لتوثيق الهوية جنبًا إلى تقنية التعرف على الوجه. لذلك سيطلب هاتفك تعيين كلمة المرور أو قراءة بصمة الإصبع لتحديد الهوية إذا فشل في التعرف على وجهك.

لكن بطبيعة الحال، سيجد العلماء في المستقبل طريقة للتغلب على هذه المشاكل. قد يستخدمون تقنية السونار إلى جانب تقنية الليدار المُستخدمة حاليًا لإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد للوجه، وقد يجدون طرقًا لمعالجة البيانات في وقت أقصر بأضعاف الوقت المستغرق في الوقت الراهن. لذا، فإنها تقنية مُثيرة للاهتمام والمتابعة.

عبد الرحمن محمد