يرى الكثير من الأشخاص أن الذكاء الاصطناعي سيكون منطلق ثورة جديدة في التاريخ البشري قد تفوق في أهميتها الثورة الصناعية التي جاءت بها المكننة وثورة المعلومات التي كان الانترنت منطلقاً لها.
في تعريفٍ بسيط للذكاء الاصطناعي، يمكن القول أنه فرع من العلوم يهتم بجعل أجهزة الكمبيوتر قادرةً على أداء مهام تحتاج قدراً من الذكاء البشري للقيام بها، وقد شهد هذا “الذكاء” نجاحاً باهراً في عدد من المجالات يرجع فيه الفضل بشكل أساسي إلى ما يعرف بالتعلم المتعمّق (Deep Learning)، حيث يتم توفير كم هائل من البيانات للحاسب من أجل إنشاء نماذج (Models) دقيقة بالاعتماد على خوارزميات معقدة.
أكثر استخدامات الذكاء الاصطناعي التي نتعامل معها بشكل شبه يومي هي اقتراحات محركات البحث كجوجل، ميزة Photo tagging في فايسبوك والمساعدات الصوتية كـ Siri.
ما يواجهه الذكاء الاصطناعي من تحديات، بالإضافة إلى البحث والتطوير، هو ردّ فعل المجتمع. ففي حين يراه عدد كبير من الأشخاص كإحدى أفضل إنتاجات الحضارة البشرية وأيقونة لتقدّمها، تنظر فئةٌ أخرى إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره تقنية سابقةً لوقتها باعتبارنا غير مستعدين لها مما قد يؤدي إلى خسارة ملايين الوظائف وتهديد المجتمع.
فماذا يقول لنا التاريخ عن مستقبل الذكاء الاصطناعي؟
ما نعيشه اليوم من تساؤلات بخصوص الذكاء الاصطناعي يمكن تشبيهه بما كان يعرف بالـ Machinery Question خلال القرن التاسع عشر، حيث توقع عدد كبير من الأشخاص أن تقضي الآلات البخارية على ملايين الوظائف، أو ما شهده العالم خلال ثمانينيات القرن الماضي بعد بدء استعمال الحواسيب في مختلف القطاعات بشكل مكثف.
بالنسبة للذكاء الاصطناعي تقول بعض الدراسات أن هذا النوع من الأتمتة (Automation) قد تقضي على 47% من الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقدين القادمين، في حين تقول دراسات أخرى أن النسبة الحقيقية المهددة هي 10% فقط.
إذا رجعنا إلى الثورات السابقة، فما حدث فعلاً هو العكس تماماً، حيث وفرت هذه الاختراعات الجديدة ملايين فرص الشغل في مجالات لم تكن متواجدة من قبل وفتحت المجال لعدد أكبر من الدول للانطلاق في مسيرة التقدم والازدهار. وهذا ما قد نشهده مع الذكاء الاصطناعي حيث ستظهر بدون شك قطاعات جديدة بملايين فرص الشغل التي ستدفع الموظفين إلى تطوير أنفسهم وقدراتهم من أجل الاندماج فيها.
دور الذكاء الاصطناعي سيكون أكبر من كل الاختراعات السابقة، فقد تتمكن هذه الأجهزة الذكية من دراسة سلوك الموظفين، تحليل قدراتهم واقتراح الجوانب التي يجب عليهم تطوريها في قدراتهم المهنية.
في الأخير نقول أن التكنولوجيا تبقى وسيلة فقط وليست غاية في حدّ ذاتها، فالهدف منها في النهاية هو تحقيق الرفاه للجنس البشري ولا يبدو أن الذكاء الاصطناعي يُعارض هذه القاعدة.
الموضوع الأصلي على The Economist: