هناك تركيز كبير على تطوير الألعاب الضخمة مرتفعة الميزانية والجودة في مطلع الجيل الجديد من منصّات الألعاب، ولكن هذا لم يمنع المطورين المستقلين من العمل بجد لتطوير ألعاب بمستوى من الجهد لا نراه في الكثير من الأحيان من أكبر وأقوى الشركات، وإحدى هذه الألعاب هي The Falconeer .. إحدى حصريات الإطلاق لمنصّات الجيل الجديد من مايكروسوفت والتي عمل على تطويرها شخص واحد مبدع ألا وهو توماس سالا.
تجربتنا الأولية مع العنوان لم تكن عادية، حيث أننا لمسنا فيها المشاعر الإنسانية، والإبداع اللطيف، والبهجة للحواس .. والعديد من الأحاسيس الإيجابية بشكل عام.
كان واضحًا أن اللعبة تريد أن تخرج عن القيود والمفاهيم التقليدية التي تتعامل معها صناعة ألعاب الفيديو لتقدّم لنا شيئًا جديدًا ومختلفًا، ونجحت فعلًا في ذلك نجاحًا كبيرًا، لكن هذا وضعها أمام مشكلة معقّدة منعتنا من الاستمتاع بما تريد أن تقدّمه بصورة كاملة.
اللعبة تريد أن تخرج عن المألوف، وفي نفس الوقت تتجه للامتثال للمبادئ المعروفة والمشهورة التي تتبعها ألعاب الفيديو لتكون قادرة على جذب أغلبية الجماهير، مما أثقل كاهلها بصورة كبيرة، ومنعها من أن تكون عملًا فنيًا متكاملًا يمكن الاستمتاع به من البداية وإلى النهاية.
على أي حال، لا يزال العنوان الواعد The Falconeer بمثابة استحواذ مرحب به لشركة مايكروسوفت، لأن المزايا التي تقدّمها اللعبة تمكنت بمهارة من التغلب على عيوبها لمنحنا رحلة فريدة ومميزة مليئة بالقتالات الجوية الممتعة، والسماوات المطلية بالألوان المائية الجميلة، والعديد من الأماكن الجميلة والغنية بالأسرار والقصص.
The Falconeer ستتوفر في العاشر من نوفمبر على منصّات Xbox Series X, Xbox Series S, Xbox One, PC. (تمت التجربة على منصّة Xbox One).
مراجعة لعبة The Falconeer ..
أعجوبة فنية تخلو من المضمون
تضعنا لعبة The Falconeer في عالم Ursee الخيالي، وهو عالم يغلب عليه الطابع البحري مع بقايا قليلة من البشر موزعة عبر التكوينات الأرضية المحدودة والمتفرقة حول البحار الواسعة.
القصة تحتوي على العديد من العناصر الخيالية، وتلتقي فيها الصقور العملاقة مع الآلهة بينما تعمل الأغاني الصوفية السحرية في خلفية لتصنع جوًا مناسبًا مليئًا بالسحر والغموض، ثم تنكشف الحبكة الأصلية شيئًا فشيئًا ليظهر الوجه الإنساني الآخر للرحلة، والتنوع المبهر في المواضيع والأفكار التي تتطرق عنها اللعبة.
يتم تقسيم هذه الحبكة على أربعة فصول رئيسية، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة، وفي كل فصل سيختبر اللاعب الأحداث من وجهة نظر مختلفة، بدءاً من راكب الصقور العادي في أحد المستوطنات المتواضعة، وإلى أحد القادة في أقوى الأنظمة التي تحكم المنطقة.
المنظور المتجدد والمختلف سيسمح للاعبي بفهم الصراع السياسي الذي يحدث في عالم Ursee بطريقة محايدة ومثيرة للإهتمام، كما أن الفكرة عميقة بما فيه الكفاية لتكون قادرة على لفت الانتباه إلى الرسائل الهادفة التي تمس تاريخنا البشري بصورة رمادية وجديرة بالثناء.
تراهن اللعبة على جعل الاستمتاع باستكشاف هذا العالم يتم من خلال تقنية الحركة الجوية التي ستضع اللاعب في جميع الأوقات على ظهر الصقر المحلّق، وهكذا فإنها تشبه قليلًا ألعابًا مثل Panzer Dragoon أو Crimson Skies، مع العلم أنها تحاول إيجاد التوازن المثالي بين القتالات السريعة والرحلات الهادئة ليستطيع المعجبون الاستمتاع بكل من الأجواء التي قدمتها هاتين اللعبين في الماضي رغم اختلافهما في الإتجاه والمضمون.
تحقق اللعبة فعلًا هذا التوازن بسهولة، على الرغم من وجودة بعض الاختيارات الغريبة في بنية اللعبة الأساسية، مثل أنك لا تستطيع الانفصال عن رفيقك المجنح مهما حدث، مما يعني أنك ستضطر لإتقان مهمة التحليق لتستطيع القيام بأي شيء في اللعبة وحتّى لكي تستطيع الحوار مع الشخصيات الجانبية أو تحصل على البضائع أو تبيعها، وهذا الأمر مهمة شاقة وليست سهلة أبدًا، خاصة في البداية، ولكن هذا المجهود بالتأكيد سيكون له مكافأة مع الوقت عند الدخول في المواجهات البهلوانية القاسية مع الفرسان المحلّقين والسفن الطائرة.
اللعبة تحمل قدرًا لا بأس به من الاستراتيجية كذلك. وجدنا أنه من الضروري إدارة بعض الجوانب في نفس الوقت مثل الإتزان الذي يحدد سرعة التحليق والقدرة على القيام بالمراوغات، والتنسيق مع المحلّق الثانوي المساعد الذي يساعدنا دائمًا في القتالات، ويتم تعزيز هذه الفكرة من خلال إضافة أعداء متنوعين في نقاط القوة والضعف، وجعلهم يظهرون في نفس الوقت مما يعني أن إطلاق النار لا يصبح دائمًا الحل الوحيد، واستغلال العواصف الرعدية لكسب الوقت أو العناصر المساعدة مثل الألغام تصبح بدائلًا ضرورية في كل قتال، وتصل اللعبة في هذه اللحظات إلى ذروة متعتها الحقيقية.
على الرغم مما ذكرناه مسبقًا، فإن The Falconeer لا تركز فقط وبشكل حصري على الصقور المتحاربة، وإنما تولي أيضًا اهتمامًا كبيرًا بلحظات الهدوء وأصوات الأمواج وهبوب الرياح والتفاصيل الجميلة الأخرى التي تجعل مجرد فعل الطيران البسيط شيئًا ممتعًا وطبيعيًا.
سيشعر اللاعب في كل لحظة أنه فعلًا داخل هذا العالم الغريب المليء بالمواقع والأسرار التي تنتظر الاكتشاف رغم أنه يتكون غالبه من الماء، ولكنه يدعوك دومًا لاستكشافه للحصول على ذخيرة ومهام جديدة ونقاط لمعرفة المزيد عن العالم من حولنا.
للأسف ومع الوقت اكتشفنا أن ما تقدمه اللعبة من الجودة يتأثر سلبًا بقرارات التصميم التي تسبب التكرار والرتابة، وهي أخطر مشاكل اللعبة وأسوأها، لأن المهمات الرئيسية والثانوية يتم تقليصها دومًا إلى ثلاثة أشكال محددة وهي مرافقة السفينة أو تسليم الطرود أو مهاجمة حصون العدو أو الدفاع عن قلعة الحلفاء.
بغض النظر عن موضوع القصة أو الفصل سيشعر اللاعب دائمًا أن نوعية المهام هي مجرد عذر لدفع القصة إلى الأمام، وأن أفكار المهام ليست مرتبطة بالقصة فعليًا، مع العلم أن الفشل في أي مهمة سيجبر اللاعب على إعادتها من البداية، ولهذا أكدنا على أهمية إتقان التحليق حتّى لا تضيع العديد من الساعات الثمينة في محاولات الإعادة المتكررة لنفس المهمات المملة.
يصبح فعل الطيران كذلك رتيبًا بدوره لأن العالم لا يحتوي على تقنية السفر السريع، وبالتوازي تجبرك كل مهمة بعد الانتهاء منها على الطيران حتى نقطة البداية مجددًا لكي تنتهي فعلًا من المهمة، وللأسف المسافات بين نقطة وأخرى في هذه اللعبة ذات أبعاد هائلة ستصيبك سريعًا بالشعور بالإرهاق والملل.
تنوع الأعداء في اللعبة، فضلًا عن تنوع الأسلحة وأنماط اللعب والتخصيص محدود تمامًا، وجميع المؤشرات يتم ترقيتها أوتوماتيكيًا عند رفع المستوى، أما الفروق الحقيقية بين الصقور وبعضها فلا يوجد بينها أي مميزات حقيقية سوى في رتم الإطلاق أو كميات الضرر، ولا يوجد أي مهارات قابلة للفتح. باختصار، لا يوجد أي نظام في اللعبة ليدعم تكرارية الأنشطة المحدودة، أو التحليق لفترات طويلة في العالم بلا هدف سوى الوصول إلى نقطة معينة.
في نظرنا كان من الممكن أن تستفيد The Falconeer من كونها مغامرة خطية أكثر مثل Panzer Dragoon، وتركز بشكل رئيسي على الحركة والمغامرة بدلًا من عناصر القصة والأر بي جي، لأنها عندما اختارات النوع الآخر أثرت بشكل لاذع على الركائز الاساسية للعبة، وجعلت المفهوم الجوهري للعبة يصبح مملًا ومحدودًا معظم الوقت، رغم أنه يعطي انطباعًا زائفًا في البداية أن سقف اللعبة أعلى من المتوقع بكثير.
تتخطي The Falconeer هذه الانتقادات اللاذعة عندما نتعامل معها كمنتج منفرد قائم بذاته، وهذا لأن البنية الأساسية لها مصنوعة بعناية قادرة على إنتاج محفزات صوتية وبصرية ذات قوة عالية، كما أنها تعمل بدّقة عاليًا ومعدّل إطارات 60 إطارًا في الثانية حتّى على منصّة إكس بوكس ون العادية، مما يمنح التفاصيل الجمالية للعبة مثل اصطدام الأمواج بالصخور والظهور المتقطع للحيتان والأسماك والعواصف والتيارات الهوائية وتغير ألوان السماء رونقًا لا مثيل له في أي لعبة مرت علينا هذا العام.
تحتوي اللعبة كذلك على خصائص تعزيزية لهذه اللمسات الفنية مثل إمكانية إخفاء واجهة المستخدم كلها أو بعض الأجزاء منها حسب الحاجة، وأيضًا نظام تصوير عميق منذ يوم الإطلاق الأول سيساعد اللاعبين على أخذ أفضل الصور والعبث بأنظمة الطقس والإضاءة في أي وقت من أوقات اللعب.
كلمة أخيرة
يستغرق الانتهاء من لعبة The Falconeer إثني عشر ساعة تقريبًا، احترنا خلالها بعض الشيء في محاولة تقييم اللعبة بين كونها وسيلة ترفيهية أو تجربة فنية قائمة بذاتها، ولكن في جميع الأحوال فهي تستحق الاحترام لأن توماس سالا تمكن بمفرده من تشكيل أعجوبة تقنية تضاهي أقوى الألعاب الموجودة حاليًا، مع تقديّم أسلوب لعب مسلي وقصة إنسانية وقتالات رائعة وإحساس غامر بالراحة والمتعة السمعية والبصرية المذهلة، لكن تظل مشاكل التكرار والرتابة تمنعها من أن تكون شيئًا نضعه في أعلى قائمة توصياتنا لهذا العام.
Review overview
الإيجابيات
- قصة تضعك في حالة من الترقب والاهتمام
- معارك مسلية تحتوي على قدر من الإثارة والاستراتيجية
- واقعية استثنائية في أسلوب الطيران
- اللعبة تبدو رائعة وتعمل بشكل ممتاز حتّى على منصّات الجيل الحالي
السلبيات
- متعة اللعبة تقل مع مرور الوقت بسبب التكرارية
- الافتقار إلى التنوع والعمق في أدوات اللعب وقابلية الإعادة
- اختفاء خاصية الانتقال السريع وإعادة المهمات من البداية عند الخسارة تؤثر على متعة اللعب
الملخص
7The Falconeer تجربة تستحق الثناء، فهي على الرغم من كونها متكررة ورتيبة في أحيان كثيرة، إلا أنها تحتوي على أفكار مثيرة للاهتمام وبنية أساسية جميلة وجذابة، ساعدت اللعبة في أن تثبت نفسها كأعجوبة تقنية وفنية لكنها لم تصل لنفس المستوى في كونها لعبة فيديو ممتعة.