يضعنا الفصل التالي من سلسلة مختارات قصص الرعب The Dark Pictures في بلدة Little Hope، المدينة الصغيرة الغامضة التي يحاصرها التاريخ المظلم والمآسي التراجيدية.
وعلى غرار الإدخال السابق Man of Medan، تحاول هذه القصة القصيرة إلقاء الخوف في قلوب اللاعبين مع تلقينهم درسًا هامًا وهو أن قراراتهم واختياراتهم يمكن أن تكون هامة ومصيرية لحياتهم وحياة من حولهم.
مثل سابقتها، تشكل اللعبة مزيجًا من مواضيع الرعب السينمائية المتنوعة، وتأخذ العديد من التفاصيل المُستخدمة في بناء أحداث القصة مثل ترك طلبة الجامعة عالقين في الغابات المظلمة وإحاطتهم بالضباب المرعب من بعض أعمال الرعب الكلاسيكية مثل فيلمي The Mist لستيفن كينج أو The Fog لجون كاربنتر.
تستعير التجربة كذلك روح القصة نفسها ومشاعر القلق والارتياب وطرق التصوير الأيقونية من بعض أعمال الرعب المميزة الأخرى مثل Blair Witch أو مسرحية The Crucible وتقوم بعمل جيد فعلًا في إعطاء مصادر الإلهام الأصلية حقها داخل القصة، ولكن بغض النظر عن نوعية الاقتباس الجديدة هذه المرة، سيشعر اللاعب الذي قام بتجربة Man of Medan أو Until Dawn أن فيلم الرعب التفاعلي الجديد هذا يبدو مألوفًا بشكل كبير.
السرد القصصي يعود مجددًا كمحور التجربة الأساسي وهذا لأن الاختيارات التي يتخذها اللاعب لها تأثير كبير على مسار الأحداث، وبدورها تشكل نهاية ومصائر شخصيات الأبطال التي يمكن التحكّم فيها طوال فترة اللعب.
وتمامًا مثل الألعاب السابقة، يعتمد هذا النظام على اتخاذ القرارات السريعة وضغطات الأزرار في الوقت المناسب للتحكّم في مسار القصة، مع إعطاء العديد من الاحتمالات المختلفة لطريقة انتهاء هذه الملحمة المرعبة.
طريقة عرض القصة ليست جديدة (على الرغم من أنها حصلت على بعض التحسينات في نسخة هذا العام)، ولكنها على أي حال تشكل مبررًا قويًا لإعادة تجربة اللعبة مرة أخرى واستكشاف كل القرارات والمصائر التي يمكن الحصول عليها، كما أنها تعمل بشكل أساسي على ترك العديد من خيوط القصة المتناثرة، وإثارة فضول اللاعبين بشأن الطريقة التي ستجتمع بها هذه الخيوط في النهاية. وورغم أنها لم تكن النتيجة الأفضل، إلا أننا لا ننكر أنه بالفعل قضينا وقتًا مثيرًا وممتعًا في الوصول إلى تلك النهاية المخيبة للآمال.
The Dark Pictures Anthology: Little Hope متوفرة الآن على منصّات PS4, Xbox One, PC. (تمت التجربة على منصّة PS4).
مراجعة لعبة The Dark Pictures: Little Hope ..
رعب الكتابة السطحية والإخراج المتوسط
تبدأ قصة Little Hope مع ذكريات من سبعينات القرن الماضي، ومقدّمة مختصرة للتعريف بعائلة مضطربة مكونة من ستة أفراد. الأب سكير، والأخت الكبرى تشعر بالعزلة والاكتئاب، أما الأخت الصغرى فيتم إتهامها مرارًا وتكرارًا بالتواطؤ مع الشيطان، وتفتعل حادثة صغيرة غير مقصودة تؤدي بحياة جميع أفراد الأسرة في حريق متوهج، باستثناء أنتوني ويل بولتر الذي يراقب هذه الفاجعة بلا حول ولا قوة.
سرعان ما ينتقل تركيز اللعبة بعضها إلى الحاضر مع مجموعة أخرى مكونة من الاستاذ جون وطلبة الجامعة الأربعة أندرو وأنجيلا وتايلور ودانيال، واللذين يحاولون إيجاد طريقهم بعد حادث الحافلة الذي تركهم عالقين في الغابة.
تجد المجموعة نفسها مع الوقت محاطة بضباب غامض يرسل أي شخص يغامر بالدخول إليه في الإتجاه الذي جاء منه، ويكتشف كل واحد منهم أنه على علاقة غير طبيعية بأحد أفراد العائلة التي توفت.
يبدأ الطلبة في الحصول على رؤى من نظائرهم السابقين توضح ماذا حدث لهم وكيف وقعوا جميعم ضحايا لمحاكمات الساحرات في القرن السابع عشر، ويصبح من الواضح أن الخطين الزمنين مرتبطان وأن الأفعال والخيارات التي سيقوم بها الشخصيات لها تأثير على يومنا هذا.
إنه مفهوم مثير للإهتمام وقادر على ربط الماضي والحاضر معًا ببراعة مع إلقاء الضوء على فكرة التناسخ والأقدار التي لا مفر منها، على الرغم من أن اللاعب يتحكم فقط في نسخ العصر الحالي من الشخصيات في أي وقت.
أثناء القيام بذلك يتمكن المستخدم من اتخاذ القرارات خلال الحوارات من خلال توجيه إبرة البوصلة إلى أحد الخيارات المنطوقة أو التزام الصمت في أي وقت، مع العلم أن هذه الخيارات ستؤثر على ديناميكية العلاقات الشخصية بين الأبطال وتؤدي أيضًا إلى تغييرات في سمات شخصيتهم.
كيف سينتهي هذا المشهد لو لم يكن تايلور موجودًا؟ وماذا سيحدث لو مات دانيال قبل ساعة؟ يتجول عقل اللاعب في جميع هذه الاحتمالات ويجبره فضوله بشكل أو بآخر على إعادة اللعبة عدة مرات لمعرفة جميع السيناريوهات والحقائق.
أندرو الذي يلعب دوره الممثل ويل بورتر، والمعروف بعمله الرائع في أفلام Midsommar و Revenant هو نجم العرض الحقيقي، ويمكنك أن تشعر ببراعته في بناء الدور المزدوج سواء أراد اللاعب تقويه العلاقة بين أفراد المجموعة، أو تركهم لمصيرهم والتخلي عنهم.
باقي الشخصيات ليست بنفس القوة ولكن يحظى كل منها بفرصته ليلمع في سماء عالم اللعبة، كما أن المنسق يعود مرة أخرى The Curator لتقديم تلميحات غامضة حول ما يحدث والتعليق على أفعالك حتّى لحظات معيّنة.
عندما تنكشف ملابسات القصة، يصبح واضحًا بشكل متزايد أن طموحات Little Hope في التنقل عبر الزمن وسرد القصة بين عالمين مختلفين تعيق قدرتها على كتابة شخصيات قوية وجذابة في أي حقبة زمنية معيّنة.
في اللعبة السابقة قدم المطور شخصيات الابطال كنماذج قوية لطبائع معروفة من أفلام الرعب، ثم سمح للاعبين بالتعرف على هذه الشخصيات بشكل أكبر داخل تلك الحدود وتوظيفها حسب المسار الذي يختارونه لهم.
هنا يتم تعريف الشخصيات بشكل سطحي لدرجة أنه يصبح من الصعب أن يكون لديك أي رأي حول ما ستفعله أو لا تفعله كل شخصية.
الشخصيات تحدد طبائعها والانطباعات التي يجب أن يكونها اللاعب عنها من خلال جمل قصيرة واضحة كأنك تقوم بصناعة طبيعة الشخصية في إحدى ألعاب الأونلاين، وليس من خلال المواقف الدرامية والتفاعلات اللحظية التي من شأنها أن تبرز هذه التفاصيل، ونتيجة لذلك لم نشعر بالجوانب المتعددة لشخصيات الأبطال مثلما كان الحال في تجربتنا السابقة مع السلسلة.
نظام السمات كذلك يزيد من تفاقم هذه المشكلة. إذا قمت بإتخاذ قرارات كافية تميل معظمها في إتجاه واحد، فسيظهر رمز قفل بجوار تلك السمة في ملف تعريف شخصيتك مثل “مخيف” أو “طائش”، ويشير هذا إلى أن هذه السمة أصبحت الآن جزئًا غير قابل للتغير من شخصيتك، ويجعل لها عواقب وخيمة في وقت متأخر من اللعبة. أيضًا يمنع هذا القفل اختيار بعض القرارات الحيوية لجعل وفية شخصية معيّنة نوعًا ما منطقية.
المشكلة أن هذا الأمر يدمر فكرة الاختيارات المصيرية من الأساس، ويجعل اللعبة نوعًا ما خطية شيئًا فشيئًا كلما اقترب اللاعب من مشاهد النهاية بدلًا من إجبار اللاعب على التفكير في كل الخروج من كل موقف بشكل منفرد وبطرق غير متوقعة مثلما كان الحال في التجربة السابقة، وسيضطر اللاعبون لتغيير بعض اللحظات الفارقة إلى إعادة اللعبة كاملة من البداية، وليس إعادة الفصل موضع الاختيار فقط مما يضع حملًا إضافيًا على وقت اللاعب.
يمكن للاعبون التحكّم في حركة الشخصيات وأشعة المصباح بينما تتحرك الكاميرا في زوايا شبيهة بألعاب Resident Evil القديمة، ولكن هذه الطريقة تعني أن المطور لم يستخدم المساحة المُتاحة له للعبث بزوايا التصوير والإخراج السينمائي الذي كان ملحوظًا بقوة في التجربة السابقة.
معظم لحظات اللعبة يتم توظيفها من خلال منظور الشخص الثالث المُصغّر قليلًا، مما جعل الأمر يبدو وكأنه فرصة ضائعة في تكوين لقطات سينمائية مميزة خلال القصة.
تظل هناك بعض الإيجابيات الملحوظة في Little Hope من الناحيتين التقنية والفنية. فعلى عكس التجربة السابقة التي كانت مرتبكة نوعًا ما أثناء محاولتها جمع كل تفاصيل القصة معًا رغم وجود العديد من الردود والمواقف المتضاربة، شعرنا بأن هذه اللعبة تروي قصة واحدة سلسة، وأن كل موقف أو اختيار يستطيع بناء قصة مختلفة ولكن متجانسة طبقًا لعدد الشخصيات الموجودة في المشهد الواحد، وهكذا يبدو أن اللعبة استطاعت استخدام القيود الملازمة لسردها المرن للقيام بعمل جيد، حتى لو تم إهدار هذا المجهود في كتابة الشخصيات أو التطور العام للقصة قرب النهاية.
بالإضافة إلى ذلك، ينجح المطور في استخدام لحظات الاختيار الحيوية لضخ الأدرينالين في المواقف المصيرية، بدون إزعاج اللاعبين وإجبارهم على الاستعجال في إتخاذ القرار، حيث يظهر الضغط على الزر المؤقت أولًا كتحذير موضوع بذكاء على الشاشة ليعكس مواضع الأزرار على ذراع التحكم – قبل أن يُطلب منك فعليًا الضغط عليها، وهذا لا يزيل التوتر من إتخاذ القرار بأي شكل، ولكنه يمنحك فرصة أفضل للتركيز في الاختيارات بدون التعرّض للإخفاق المتكرر أو إمضاء ساعات إضافية في تعلم توقيتات الأزرار.
لم تعاني اللعبة من أي مشاكل تقنية على أجهزة Playstation 4 العادية، وربما تكون المشكلة الوحيدة هي أوقات التحميل المتكررة بما يكفي لكسر الانغماس في التجربة. بعض الميزات المحببة تعود مجددًا مثل أطوار Shared Story و Movie Night لإتاحة الفرصة للعديد من اللاعبين بالتفاعل مع القصة في نفس الوقت، مما يشجع الأصدقاء على قضاء ليلة هالوين مثالية ومليئة باللحظات التفاعلية المرعبة، ولن يحتاجوا سوى أربع أو خمس ساعات تقريبًا للانتهاء من التجربة كاملة.
كلمة أخيرة
استوديو التطوير Supermassive يبرع مرة أخرى في إنتاج لحظات الإثارة والتوتر مع Little Hope من خلال استخدام بعض التقنيات التفاعلية البسيطة مثل الضغط على الأزرار في الوقت المناسب، وينجح في تصميم لعبة قصصية بكفاءة تقنية عالية وترجمة عربية ممتازة لجميع الحوارات والقوائم، إلا أن الاختيارات التي قام بها المطور بخصوص القصة وطريقة كتابة الشخصيات جعل العمل باهتًا أكثر من نظيره السابق، ونتمنّى أن يستخدم المطور هذه التجربة المتوسطة كأساس لتقديم مستقبل متين ومشرق لباقي ألعاب The Dark Pictures فيما بعد.
Review overview
الإيجابيات
- تحسينات فنية وتقنية في أسلوب السرد والعرض
- الاختيارات المصيرية لم تعد عاملًا للتوتر
- القصة تتغير بشكل ديناميكي جيد حسب عدد الأفراد وطبيعة المشهد والخيارات
السلبيات
- التنقل بين الأزمنة المختلفة يضعف من بناء الشخصيات
- نظام السمات يجعل فكرة الاختيار محبطة مع اقتراب النهاية
- النهاية مؤسفة ولا تكافئ اللاعب على الاهتمام بالتعقيدات في بداية القصة
الملخص
7The Dark Pictures: Little Hope تعيد إشعال حبنا لبعض الأعمال الكلاسيكية السينمائية المرعبة، وتوظفها في قالب جديد وممتع، ولكن هذا الإتجاه القصصي الجديد يضعف بشكل كبير من بناء الشخصيات، ويقود اللاعب شيئا فشيئًا إلى نهاية خطية محبطة ومؤسفة.