شعور مثير ينتابني عند إجراء حوار جديد مع إنسان آخر لأول مرة لأن أي شيء يمكن أن يحدث. يمكننا أن نتبادل القصص أو نتعرّف على هوايات وأماكن جديدة أو نكتشف أشياء بداخلنا لم نكن نعرف أنها موجودة، ونحتاج لرؤيتها من نظرة شخص غريب عنّا، وهذه هي الفكرة وراء لعبة الرواية القصصية المرئية Neo Cab.
لعبة Neo Cab تستخدم أسلوب الروايات القصصية المرئية في إلقاء نظرة على مستقبل قريب فيه كل شيء غير كامل، وكل شيء يحدث بشكل خاطيء نوعًا ما.
تستخدم اللعبة طابع أفلام السايبربنك في تصوّر شكل المستقبل المتقدّم المليء بالاختراعات وألوان النيون البرّاقة، وتتحدث عن موضوعات عديدة مثل التمرّد والاضطهاد والثورات والعلاقات الإنسانية بشكل واقعي ومختلف وقريب من الحياة التي نعيشها الآن.
Neo Cab تتوفّر على منصّات PC (تمت تجربتها), Nintendo Switch في الثالث من أكتوبر هذا العام، وهي حاليًا متوفرّة على خدمة Apple Arcade.
مراجعة لعبة Neo Cab ..
لعبة بقاء عاطفية تلمس قلوب اللاعبين
تدور أحداث اللعبة في مدينة Los Ojos الخيالية، وهي مدينة مستقبلية تسيطر عليها شركة عربات الأجرة الأوتوماتيكية Capra. أنت تلعب دور لينا، واحدة من آخر السائقين البشريين اللذين يجاهدون للاستمرار في العمل أمام هذه المنافسة القوية من العربات التي تعمل بدون سائق. تأتي لينا إلى هذه المدينة على أمل أنها ستبدأ حياة جديدة، وتعيش مع صديقتها القديمة سافي التي لم ترها منذ فترة طويلة.
تشعر لينا بالقلق على صديقتها سافي عندما تختفي بشكل غامض في بداية قصة اللعبة، لكن مشاكلها الشخصية تحتم عليها الاستمرار في العمل لتعيش. يجب على اللاعب أن يقرر كيف تتحدث لينا إلى الركاب ويجتهد في الحفاظ على تقييم الزبون عاليًا حتّى لا يفقد العمل أو يحصل على نقود قليلة لا تسمح له بإعادة شحن السيارة الكهربائية التي يقودها، أو توفر له المبيت في فندق ليلًا.
جهاز تتبّع الحالة العاطفية Feel grid
أثناء قيادة سيارة الأجرة الكهربائية Neo Cab، ترتدي لينا سوارًا يتتبع حالتها العاطفية في كل وقت عن طريق قراءة فيسيولوجيا الجسم وعكسها بلون معبّر عن المشاعر التي تشعر بها السائقة الآن.
تقابل لينا العديد من العملاء من مختلف الأنواع والطبقات والعقليات، وبعضهم قد يزعجها أو يثير غضبها أو اكتئابها حسب الحوارات التي تدور بينهم. الشعور بالغضب أو الحزن قد يمنع لينا من اختيار إجابات معيّنة مثل الصمت أو الرد بإيجابية أو غيره.
اللعبة لا تحاكي تجربة الركوب مع سائق الأجرة وحسب، ولكن يعتبرها الاستوديو لعبة بقاء عاطفية تعرض العديد من المواقف التي قد تكون مألوفة للعديد من العاملين في مجال الخدمات، والذين يتعاملون مع العديد من الزبائن أو الأشخاص المختلفة بشكل يومي.
الحوارات في اللعبة لم أشعر أنها سيناريوهات مكتوبة لإيصال فكرة معيّنة، بل شعرت فعلًا أنها اختبار شخصي لطريقة تفكيري وسرعة إتخاذي للقرارات وأسلوبي في التعامل بشكل عام مع الأشخاص الجديدة أو المواقف التي تحتاج إلى ردود وحلول حاسمة.
رحلتي في مدينة Lost Ojos
سأحكي لكم عن بعض الشخصيات التي مرّت علي خلال الستة أيام التي عملت فيها كقائد أجرة داخل اللعبة.
في اليوم الأول من عملي قابلت شابًا يقول أنه قد أخذ أجازة من عمله ليسافر ويلتقط الصور من جميع أنحاء العالم. هذا الشاب كان لطيفًا وأحب فكرة الحديث مع شخص طبيعي لأول مرة بعد فترة طويلة من ركوب العربات الأوتوماتيكية.
حافظ الشاب على شعوري بالإطمئنان منذ البداية بكلمة بسيطة وهي أن الحوار الذي يدور بينكما لن يؤثر على تقييمه في نهاية المشوار. رأيت سوار Feelgrid يتحول للون الأخضر دليلًا على السعادة والهدوء تمامًا مثلما كنت أشعر أنا أثناء اللعب.
تكلّمنا في مواضيع كثيرة وتبادلنا الأرقام للتواصل ووعدني أنه سيرسل لي بعض الرسائل التي يلتقطها أثناء ترحاله ويأخذ رأيي فيها، وهذا بالفعل حدث معي في باقي الأيام التي تلت هذه المقابلة ووجدتني أتراسل معه في بداية اليوم أو أثناء العمل من خلال تطبيق الهاتف.
يزداد الأمر صعوبة بعد ذلك عندما يركب معي شخص ثمل خرج لتوه من حفلة صاخبة، ويقوم بالتقيؤ في السيارة بدون سابق إنذار. المشكلة أن الراكب لا يريد أن يعترف أنه الفاعل، ويتهمك بأنك لا تهتم بتنظيف سيارتك، رغم أنك لم تكن تشتم رائحة القيء قبل ذلك، ويمكنك حتّى أن تشم بوضوح رائحة الخمر القوية الصادرة منه فور ركوبه السيارة.
كنت مسؤولاً عن إدارة العديد من الأشياء في نفس الوقت. حالتي المزاجية التي تأثرت بالحوارات السابقة والأحداث الشخصية المتعلّقة بصديقة البطلة سافي، بالإضافة إلى الإتهامات المتكرّرة من الراكب بشأن المشكلة التي ارتكبها. حاولت جاهدًا القيام باختيارات حوارية صحيحة لاستخراج الحقيقة منه، وهذا الأمر كان صعبًا فعلًا والراكب رغم أنه مخطئ لا يستسلم ويتصيد لي الأخطاء.
شعرت خلال تجربتي أن اللعبة تحاول بجميع الطرق أن تجعلك تعيش فعلًا دور الفتاة الشابة لينا في هذه المواقف. يمكنك أن تراقب انفعالات الركّاب في الخلف من خلال المرآة الأمامية، وتجد خلال المحادثات لينا تفكر داخل عقلها في أمور وذكريات وآراء مختلفة بخصوص المواضيع التي تتكلّم فيها وتراجع نفسها أو تتأثر مرّات عديدة بشكل مفاجئ لأنك في الحقيقة لا تتوقّع ماذا يمكن أن تسمع من شخص غريب.
على عكس العديد من الألعاب التي تختار فيها أن تكون لطيفًا وشخصية فاضلة طوال الوقت، أو تتصرّف مثل الأحمق الشرير، لا يمكنك تجاهل حالتك المزاجية من أجل تنفيذ السيناريو المكتوب.
إذا كنت لطيفًا مع الأشخاص الذين يعاملونك بحماقة، فستبدأ في الشعور بالضيق وسيؤثر ذلك بالسلب على باقي يومك وطريقة تعاملك مع الركاب. لن تكون قادرًا على خدمة الناس بالشكل الذي يريدونه في كل وقت، وخصوصًا أنهم يرون السوار الذي ترتديه ويتكلّمون عنه ويعرفون حالتك المزاجية الحقيقية حتّى لو كنت تكذب عليهم.
الحنين إلى الإتصال الإنساني في Neo Cab
رغم أنك تستطيع أن تشاهد المباني المضيئة وشوارع المستقبل من نافذة السيارة، لا أستطيع أن أقول بشكل دقيق أن لعبة Neo Cab تدور في إطار أعمال السايبربنك، بل هي تقترب من أعمال الديستوبيا التي تشاهد فيها صورة مختلفة من العالم بسبب نظام معيّن أو شركة معيّنة تقوم بالتأثير على حياة جميع الأفراد في المدينة بشكل أو بآخر.
يمكنك أن تقابل فتاة والدتها تعمل على إدراج قانون يمنع سائقي السيارات البشريين من العمل، وشخص يعمل في الشركة التي تكرهها والتي تسببت في جعلك تواجه صعوبات في عملك، أو شاب يعاني من فقدان ذراعه بسبب حادثة سيارة كان يقودها شخص بشري.
الموضوع يتمحور حول الشركة بشكل أو بآخر لكن هناك بعض الشخصيات المميزة مثل شابان يقومان بعمل اختبار كلامي لمعرفة ما إذا كنت إنسانًا طبيعيًا أو روبوت، وهو اختبار معروف لمن شاهدوا فيلم Blade Runner، وهذه النقطة أعجبتني جدًا وتم تنفيذها بطريقة ممتازة وقريبة من أحداث الفيلم الأصلي.
هناك فكرة مشتركة بين لينا ومعظم شخصيات اللعبة، وهي أن جميعهم يعانون بشكل أو بآخر، وغالبًا بسبب التقدّم التكنولوجي الموجود في العالم، والعديد منهم يبحثون عن اتصال إنساني عاطفي حقيقي مع شخصية لا يمكن أن تكذب، وهي الصفة التي تمتلكها بطلة اللعبة بجانب ارتدائها سوار منع الكذب.
تستطيع لينا التحاور مع جميع الشخصيات المختلفة والاهتمام بهم وزيارة بعضهم في أماكن جديدة على الخريطة بعيدًا عن خط سير عملها بسبب أنها تريد بعض الدلائل عن لغز اختفاء صديقتها، أو لأنها سرًا تجد نفسها معجبة بعقلية أحد هؤلاء الركاب وتبحث عن أي فرصة لرؤيته أو رؤيتها مجددًا.
كلمة أخيرة
تستغرق لعبة Neo Cab من ثلاث إلى خمس ساعات للانتهاء منها، لكن ربما يحتاج اللاعب إلى إعادتها عدّة مرات ليستطيع الحديث مع شخصيات جديدة لم تسنح له الفرصة لمقابلتها في المرة الأولى، وأيضًا فتح باقي النهايات المختلفة للعبة.
Neo Cab قد لا تكون التجربة الأفضل من حيث الموسيقى، حيث أنني وجدت أن هناك ثلاثة أغاني إلكترونية تعمل بشكل متتالي حسب الوضع العاطفي للحوار الجاري. الأغاني ليست بمستوى التقسيم الموسيقى لبعض الألعاب المشابهة مثل VA-11 HALL-A والذي كان التقسيم الموسيقي فيها مبهرًا، ولكنّها كانت مناسبة للموقف وحافظت علي شعوري بالهدوء والسكينة طوال فترة اللعبة.
أما بالنسبة للحوارات، فاللعبة تنجح فعلًا في خلق تجربة واقعية فريدة من نوعها، وشخصيات قريبة للغاية في الشكل والطباع من اللذين قد قابلتهم صدفة أو تعرفهم في الواقع، ولا أخفي أن الحوارات المختلفة معهم والحوار الداخلي للبطلة لينا لمس قلبي وأصابني بالتوتر في أحيان عديدة وكأنني قرأت أشياء وموضوعات تخصني دونًا عن غيري من اللاعبين.
الحياة مليئة بالمغامرات والأشخاص المختلفة الذي يفتح التواصل معهم أفكار وآفاق جديدة، فقط علينا أن نعرف المفاتيح الصحيحة لنفتح الحوار معهم ونعرف ما بداخل قلوبهم. هذا الاختبار يعيشه أغلبنا بشكل يومي في الحياة الحقيقية، ولعبة Neo Cab تعرض هذا الأمر في قالب فنّي ممتع ومختلف يجعلك متحمسًا للقرائة واكتشاف المزيد، وربما يجد اللاعب الإجابة عن بعض الأسئلة النفسية والعاطفية التي تؤرقه من خلال الحوارات الموجودة في اللعبة.
Review overview
الإيجابيات
- أسلوب جديد للتأثير على الحوارات من خلال سوار المشاعر Feel Grid
- شخصيات واقعية تلمس فيها طباع البشر العاديين الذين تتعامل معهم بشكل يومي
- نهايات مختلفة تحتاج إلى إعادة اللعبة عدة مرات
- شكل رسوم جميل ومجهود في بناء عالم خيالي ذو طابع خاص ومميز للعبة
السلبيات
- الأغاني مناسبة للحوارات والجو العالم لكنّها ليست كثيرة ويعاد استعمالها بشكل متكرّر قليلًا
- مدة اللعبة قصيرة نوعًا ما وبعض الحوارات لا تثمر عن أي نتيجة حقيقية خلال اللعبة أو مع اقتراب النهاية
الملخص
7.5Neo Cab لعبة رواية قصصية مرئية تجعلك تختبر شعور سائق الأجرة الذي يتعامل مع العديد من الشخصيات المختلفة الجديدة في يوم العمل، وهو شعور قد يفهمه العديد من اللذين يعملون في إطار الخدمات. تستعمل اللعبة فكرة جديدة في التأثير على الحوارات وتعرض شخصيات واقعية تقترب بشكل كبير من الأشخاص اللذين نتعامل معهم في حياتنا اليومية.