السايبربنك هو نوع من الفن يمزج بين الفقر، والخلافات الحضارية، وإساءة استخدام القوة، والإلكترونيات الخاصة بالشعوب التي غالبًا ما تنقلب ضدّهم بشكل أو بآخر.
تخلق هذه الظواهر جميعها بيئة قاسية من الخوف واليأس، لكن دائمًا ما يكون هناك بصيص من الأمل وسط هذا الظلام الحالك، وهذه هي الفكرة الرئيسية التي تقدّمها لنا لعبة VA-11 HALL-A
VA-11 HALL-A ليست مجرّد لعبة، بل هى رحلة كفاح طويلة من مطورّين يحبّون ألعاب الفيديو، ويعانون من صعوبات الحياة الواقعية، خصوصًا الحياة في دول العالم الثالث، ويستعملون هذا الألم كوسيلة لخلق عالم خيالي خصب مليء بالقصص الدرامية الجذابة والإسقاطات المختلفة على المجتمع والسكان الذين يعيشون فيه.
VA-11 HALL-A متوفرّة الآن على منصّات PS4 (تمت تجربتها), PSVita, PC, Nintendo Switch.
VA-11 HALL-A …
عالم خيالي مثير وحوارات إنسانية عميقة
تدور أحداث اللعبة في المدينة المستقبلية الخيالية Glitch City، وتحديدًا في مقهى صغير يُدعى Valhalla، أنت تلعب دور Jill الفتاة النادلة التي تعمل ساقية للخمر في المقهى، وتقابل جميع أنواع العملاء خلال فترة عملها، والذين يبدون مألوفين لأي محب لأفلام السايبر بنك، مثل الصحفيين والهاكرز والقاتلين المأجورين وحتّى الروبوتات التي تعمل في مجال الجنس.
الشيء الأول الذي يمكن ملاحظته هو شخصية اللعبة الفريدة التي تظهر في جميع جوانبها، بدئًا من الرسوم الجميلة التي تبدو متأثرة للغاية بألعاب الثمانينات وأفلام السايبربنك، وشكل الشخصيات الذي يقترب من شخصيات مسلسلات الأنمي، وموسيقى التكنو الإلكترونية التي تُعرف بها هذه الأعمال كذلك. الموسيقى تلعب دورًا مهما في بناء الجو المناسب للكلام، وطريقة حديث الشخصيات، كما أن العديد من الشخصيات تتحدث عن أغانيها المفضلّة ولماذا تحب هذه الأغاني تحديدًا.
يمكنك إضافة الموسيقى التي تريدها وتغييرها قبل بدء كل يوم عمل، لكن لا يمكنك تغييرها بعد القيام بالاختيار الأولّى وحتّى نهاية اليوم. هناك مجموعة كبيرة من الأغاني المختلفة والمناسبة لجميع الأذواق رغم أن طريقة العزف واحدة، وجميعها ممتعة للغاية وجذابة وتستحق الاستماع إليها، وهذا أعجبني كثيرًا لأن فكرة المقهى الذي يرتاده العديد من الزبائن يحتاج فعلًا إلى تشغيل أغاني متنّوعة تناسب جميع الروّاد مهما كان ذوقهم في الموسيقى.
بجانب نظام اللعب المعتاد الشبيه بألعاب الروايات القصصية، تصنع اللعبة نظامًا بسيطًا يتيح لك مزج العناصر الخيالية وصناعة المشروبات المختلفة من أجل رواد المقهى. العديد من العملاء يعرفون ماذا يريدون ويطلبونه منك بالاسم، لكن هناك بعض العملاء الآخرين الذين يطلبون بعض المشروبات الغامضة، والتي تحتاج منك لقراءة الشخصية الواقفة أمامك جيدًا وفهم الدلائل والإشارات وتقديم المشروب الذي يتناسب مع شخصية الزبون الجالس أمامك. هناك أيضًا بعض الطلبات الغريبة التي لا تساعدني اللعبة كثيرًا في فهمها، مثل أن يطلب أحد الشخصيات Something Fake أو يطلب Red، كلمات مُبهمة تضع البطلة في حيرة ولا يمكن معرفة المقصود منها مهما حاولت.
البطلة تتعلّم شيئًا جديدًا كل يوم، وتساعد عملائها في حل مشاكلهم بالإضافة إلى تقديم المشروبات، وخلال الحوارات البسيطة مع كل شخصية، يتعلّم اللاعب المزيد عن عالم اللعبة الذي يتفشّى فيه الفساد في كل مكان، ويمتد هذا الفساد إلى جميع المجالات، مثل الصحافة وإمدادات الطعام والشراب، وحتّى الشرطة وقوات حفظ الأمان التي تعاني من انقسام في الفكر وطريقة العمل الصحيحة.
المميّز في قصص السايبربنك هي أنها قادرة على التقاط عقلية معيّنة في المجتمع قد لا يلتفت إليها الكثيرون، أعمال مثل Blade Runner استطاعت أن تلتقط المخاوف التي نتجت من الاضمحلال الصناعي والحضاري في أواخر السبعينات، وفيلم مثل Akira يعكس ببراعة مشاعر الاغتراب التي نمت داخل الشباب الياباني تجاه التقدّم الحضاري في الثمانينات، وValhalla تأتي بعدهم لتحاكي ما يشبه العيش في بلد من العالم الثالث مثل فنزويلا (بلد مطورّ اللعبة) وسط تأثير العولمة والعصابات والمشاكل الاقتصادية.
يظهر هذا الفكر بوضوح في الحوارات المختلفة للشخصيات والعديد من جوانب اللعبة، البطلة تعمل طوال اللعبة من أجل الحصول على المال الكافي لتسديد إيجار المنزل، وأرخص مشروب يمكنك تقديمه في المحل يصل سعره إلى 80 دولارًا، الأمر الذي يعكس ارتفاع معدّل التضخم في هذه المدينة الخيالية، هذا بالإضافة إلى اتجاه العديد من الشخصيات للأعمال السيئة مثل القتل أو الجنس، والقيام بالعديد من التغييرات الميكانيكية في جسمهم لمواكبة العصر ومجاراة طلبات العملاء.
من الغريب أنه وسط كل هذه الأمور المحزنة، تحاول الشخصيات على قدر الإمكان البحث عن الأشياء البسيطة التي تجلب السعادة. البطلة Jill لا تقوم بحل مشاكل الناس، بل هى تجلس لتستمع فقط، وعلى عكس باقي أعمال السايبربنك التي تصّور لنا شخصيات تحارب مع أو ضد النظام، جميع الشخصيات في هذه اللعبة تحاول عيش حياة طبيعية قد الإمكان، وهذا الأمر أدى إلى خلق سيناريو أكثر واقعية، وأكثر تعمقًا في جوانب الحياة الخفية داخل عالم السايبربنك المستقبلي.
الناس في هذه اللعبة لا يعملون بسبب ماضي مؤلم أو نظرة واسعة لحل جميع مشاكل المجتمع، بل هم أناس عاديون لديهم نظرة خاصة ورغبات خفية في جميع أمور الحياة. يهتمون بالأشياء البسيطة ويلاحظون أدق التغييرات في تعابير الوجوه وطريقة الكلام، ويتكلّمون في العديد من المواضيع المختلفة كذلك، بداية من الهوايات والأغاني المفضلّة، والسؤال عن الأهداف الشخصية والذكريات المؤلمة، ويمكنها أن تصل إلى بعض المواضيع العميقة مثل السؤال عن أصل المشاعر البشرية وما الذي يجعلنا نحب الآخرين، أو ما الذي يجعلنا بشرًا في الأساس.
الحوارات عميقة للغاية وجذّابة، وكاتب السيناريو يقوم بعمل رائع في مزج الحقائق المختلفة من المجتمع بالحياة التي تعيشها كل شخصية، بدلًا من رمي الحقائق في وجهك وجعل الشخصية تقول كلامًا غريبًا لا يمكن أن يقوله الشخص العادي في جلسة عادية داخل مقهى صغير.
جميع الظروف الموجودة في العالم تشكل أجزائًا كبيرة ومختلفة من الشخصية الموجودة أمامك، والتي استمتعت بالحديث معها واكتشاف الجديد عنها في كل مرة أواجهها وأقدم لها المشروبات.
أحببت في هذه اللعبة كيف أنها تجعلك تتواصل مع عالم اللعبة والشخصيات الموجودة فيه بطرق غير مباشرة من غرفة منزلك، حيث أنه يمكنك متابعة الأخبار وآخر التطورّات من هاتفك، والتي أوضحت لي كيف أن كل شيء في هذه اللعبة مترابط بدرجة كبيرة.
إذا حكى لك أحد الزبائن عن أخبار مهمة، ستقرأ عنها في اليوم التالي، وإذا حكت لك إحدى الشخصيات عن أغنية جديدة تتصدّر الأسواق، يمكنك أن تشتريها من المتجر وتستمع إليها.
يمكنك كذلك شراء بعض المتعلّقات الإضافية لتزيين منزلك وجعل مزاجك أحسن من أجل قضاء يوم عمل مميز، ويمكنك شراء جهاز ألعاب صغير داخل غرفتك لتلعب لعبة إطلاق نار صغيرة ممتعة. حتّى أنت تحاول على قدر الإمكان الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة من أجل أن تكون سعيدًا وسط الأمور العديدة التي تثير قلقك بخصوص العمل وإيجار المنزل وذكرياتك المؤلمة.
ربما تطرّقت إلى بعض الأمور التي لم تجذبني خلال المراجعة، لكن سأقوم الآن بسردها كلها بصورة واضحة.
نظام المشروبات بسيط قليلًا ولا يتغّير مع الوقت، كما أن هناك بعض المشروبات السرّية التي لا يمكن معرفتها من قائمة اللعبة الرئيسية والتي تؤثر في حصولك على نهايات اللعبة المختلفة. هذا الأمر يجعل الوصول لجميع نهايات اللعبة الستّة صعبًا إذا كنت تلعب بمفردك بدون الاستعانة بأي مساعدة. النهايات كذلك قصيرة للغاية ولا تمثّل نهاية حقيقية للعبة، بل مجرّد حوارات إضافية عشوائية لا تضيف جديدًا ولا تبرّر التعب الذي تقوم به في الحصول على هذه النهايات.
في النصف الثاني من اللعبة، بدأ انبهاري بعمق الشخصيات يقل بعد أن عرفت كل شيء عنهم، باقي اللعبة هى عبارة عن حوارات مُعادة تدور في نفس إطار المواضيع التي طرحتها الشخصيات في البداية، ولا تضيف الكثير من الأشياء الجديدة إلى المعلومات التي تعرفها في الأصل عنهم.
لكن على الجانب الآخر، القصة الشخصية للبطلة Jill تبدأ في التبلور وإضافة المزيد من العمق في النصف الثاني وتصبح مثيرة للاهتمام وتجذبك أكثر لكي تلعب حتّى النهاية وتشاهد كيف تتغلّب البطلة على مشاكلها، وكيف تستعمل شخصيتها الجديدة في التأثير على رواد المقهى.
اللعبة فريدة من نوعها، ليس بسبب الرسوم أو الموسيقى الممتعة فقط، بل بسبب أنها تضع تركيزًا كاملًا على الشخصيات وتحاول جعلهم واقعيين قدر الإمكان.
هذا الأمر يتضّح أكثر عند قراءة تقارير فريق التطوير على موقعهم الخاص، ومشاهدة كيف تم كتابة كل الشخصية، والتي إتضّح انه تم استلهام العديد من خصائص كل شخصية منهم من ذكريات ووقائع حقيقية.
ملاحظة مهمة: إذا تسائل البعض ماذا أضافت اللعبة من أشياء جديدة لتاريخ أعمال السايبربنك، فهو ليس الكثير، العديد من شخصيات وحوارات اللعبة مبنية على أعمال سابقة، عدا نقطة واحدة وهو مرض Nano machine Rejection، والذي يمكن اعتباره جزئًا كبيرًا من قصة اللعبة،و شيئًا جديدًا أضافته هذه اللعبة إلى هذا الفن الواسع.
العديد من عناصر القصة كذلك رغم أنه يتّم شرحها بعناية، يعتمد الاستمتاع بها على معرفتك بأفلام وألعاب سابقة في إطار فن السايبربنك مثل لعبة 2064 أو أعمال مثل Akira و Ghost in the Shell.
تأخذ اللعبة هذه الشخصيات وتبنّي عالمًا خياليًا كاملًا أساسه هم الأبطال أنفسهم، والذين يؤثرون بالعديد من الطرق المختلفة في طريقة سير العالم من حولهم، ويتفاعلون كذلك مع عناصر العالم بدون فرض أنفسهم بطرق غير واقعية على الناس الآخرين داخل اللعبة، أو معتقدات اللاعبين أنفسهم.
ربما يحتاج اللاعبون إلى إعادة اللعبة عدّة مرات لمعرفة المشروبات المناسبة التي يجب عليهم تقديمها، أو لعمل الاختيارات الصحيحة لجمع المال المطلوب لدفع إيجار الشقة التي تسكن فيها البطلة ويحصلون على النهاية السعيدة
اللعبة تحتاج من سبع إلى ثمان ساعات للانتهاء منها لكننّي شخصيًا سأقوم بإعادة اللعبة لمرّات عديدة بهدف واحد فقط، وهو الجلوس مع هذه الشخصيات مجددًا والاستماع إلى حواراتهم المتجدّدة والمختلفة والمفعمة بالحياة، وبكل تأكيد لن أشعر بالملل من قرائتها أبدًا في أي وقت قريب.
Review overview
الإيجابيات
- شخصيات عميقة وجذابة
- نظام تقديم المشروبات في المقهى فكرة جديدة وممتعة وتضيف إلى الجو العام للعبة
- نظرة متعمّقة إلى عالم السايبربنك الخيالي من خلال تقديم مرض Nano Machine Rejection
- إسقاطات على أمور ومجتمعات واقعية
- موسيقى متمّيزة يمكن الاختيار من بينها وتشغيل ما تريده منها أثناء اللعب
- رسوم جميلة مُستلهمة من ألعاب الثمانينات
- رحلة البطلة الشخصية تجذبك لإكمال اللعبة حتّى النهاية
السلبيات
- نظام تقديم المشروبات بسيط قليلًا ولا يتغير مع مرور الوقت
- بعض العناصر الخفية والمهمة لإتمام القصة لا توضحها اللعبة جيدًا
- الأشياء الجديدة على عالم السايبربنك كفن ليست كثيرة
- العديد من عناصر القصة تحتاج إلى معرفتك بأعمال سابقة في فن السايبربنك
- حوارات الشخصيات تصبح مملّة ومكرّرة في النصف الثاني من اللعبة
- النهايات قصيرة للغاية ولا توازي الجهد المبذول داخل اللعبة
الملخص
8.5VA-11 HALL-A تجربة قصصية ساحرة في عالم السايبربنك الخيالي المليء بالتفاصيل، وتعرض العديد من الشخصيات العميقة والمختلفة والتي تبدو قريبة للغاية من الواقع الذي نعيش فيه الآن، وتصورّ معاناة دول العالم الثالث ببراعة شديدة. الحوارات القصصية في اللعبة سوف تذهلك وتجذبك للعب منذ الدقيقة الأولى وحتّى نهاية اللعبة.