كل عام، يتوجه حوالي 100,000 من الشركات التقنية ومزودي شبكات الهواتف وصانعي الأجهزة الذين يتضمنون هواوي إلى المؤتمر العالمي للهواتف لإبرام الصفقات واستعراض التقنيات الناشئة، حيث كان الموضوع الأكثر مناقشة هذه المرة هو شبكات الجيل الخامس أو 5G التي تنوي العديد من شركات الهواتف دعمها حول العالم باعتبارها الجيل التالي من الشبكات.
كان المؤتمر يأتي برعاية هواوي بشكل مكثف، حيث استعرضت الشركة الصينية قدرات شبكات الجيل الخامس، ولكن الصحفيين والإعلاميين ظلوا يتساءلون حول إذا ما كانت معدات هواوي توفر أبواب خلفية تسمح للحكومة الصينية بالتجسس على مختلف المستخدمين أم لا.
يأتي ذلك كله بعد أن صرحت الولايات المتحدة الأمريكية بقلقها من إمكانية استخدام هواوي أجهزتها لأجل التجسس والتخابر على المواطنين الأمريكيين وإرسال تلك البيانات للحكومة الصينية، وهو ما نتج عنه منع استخدام أي من معدات هواوي في تأسيس البنية التحتية في شبكات الجيل الخامس بالولايات المتحدة، بجانب منع بيع هواتف الشركة هناك، فيما لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل ساهمت ضغوطات أمريكية في القبض على مينج وانزوهو، مديرة هواوي المالية وابنة مؤسسها، في كندا بدعوى أنها قامت بمخالفة العقوبات الأمريكية على بعض البلدان وقيامها بسرقة بعض أسرار الصناعة الأمريكية.
نظراً لكل ذلك، قامت هواوي خلال مؤتمر الهواتف العالمي بالسخرية من الولايات المتحدة مشيرة أنها تتهمها بالتجسس على الأمريكيين بينما الحكومة الأمريكية نفسها تستخدم برنامج مراقبة معروف باسم PRISM لأجل التخابر على مختلف المواطنين هناك.
أكدت هواوي لاحقاً أن لديها سجل نظيف بمجال حماية المعلومات خلال العقود الثلاثة الماضية بخدمة 3 مليار شخص حول العالم بمعداتها المختلفة، بينما تتهمها الولايات المتحدة بالتجسس دون امتلاك أي دليل، فهي لم ولن تتجسس أبداً على عملائها.
في وقت لاحق، دعت الولايات المتحدة كافة حلفائها من الدول الأخرى للتوقف التام عن استخدام معدات هواوي في تأسيس بنيتها التحتية نظراً لكونها تمثل خطراً على أمنهم القومي، حيث ردت هواوي على ذلك الأمر برفع دعوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية بسبب التحريض ضد الشركة الصينية.
في ظل هذه التوترات والأجواء المشحونة بين الولايات المتحدة والصين بجانب هواوي، أكد أحد خبراء الأمن المعلوماتي ذو علاقة وثيقة بالحكومة الأمريكية، جوزيف كامبل، أن الضغوطات الأمريكية على هواوي لا تأتي فقط بدافع القلق حيال خصوصية المواطنين الغربيين، ولكنه ناتج عن الخوف من الطموح الصيني.
يعد هذا الأمر منطقياً بالفعل بالنظر لكون الصين ملتزمة بهدفها أن تصبح القوة الاقتصادية والعسكرية الرائدة في العالم، لتزيح بذلك الولايات المتحدة الأمريكية عن عرشها، ونظراً لأن البيانات في عصرنا الحالي هي جوهر القوة، فمن الممكن أن تصل هواوي إلى موقع يمكنها من التدخل في مرور مختلف البيانات ومشاركتها عبر الانترنت بشكل يسمح للحكومة الصينية باستغلالها، خاصة مع تأكيد عدة خبراء آخرين بأن من يسيطر على شبكات الجيل الخامس القادمة، سيكون قادراً على الوصول إلى مليارات الأجهزة المتصلة التي ستسمح الشبكات الأسرع بتشغيلها، ما يصل إلى 29 مليار جهاز متصل بالانترنت بحلول 2022.
هذا ويمكننا في النهاية القول أن أي شركة أو حكومة تتمكن من السيطرة على البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس، ستكون بشكل افتراضي هي المالك الوحيد للبنية التحتية العالمية للاتصالات، وهو الأمر الذي دعى الجيش الأمريكي منذ 30 عاماً بالفعل إلى تمويل بناء شبكة الانترنت التي نعرفها اليوم في حد ذاتها، والذي طورته الشركات الأمريكية كثيراً لاحقاً، ولكننا نعلم أن الولايات المتحدة ليست بنفس سوء الصين فيما يتعلق بالتجسس على المعلومات، ونظراً لنمو هواوي الهائل في مختلف المناطق حول العالم مثل أوروبا وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، نجد أن الولايات المتحدة قلقة للغاية من نمو النفوذ الصيني بشكل متسارع في مجال الشبكات ومشاركة البيانات، الأمر الذي تحاول حالياً إبطاء وتيرته.