الواقع الافتراضي هو تقنية تقوم عبر الحاسب بإنشاء وهم مقنع بأنك في مكان آخر، ويبدو أنَّ هذه التقنية قد تدخل في جميع مفاصل حياتنا بنفس الآلية التي دخلت بها الهواتف الذكية، أو ربما محاولة لن تنجح في عالم التكنولوجيا.
بدأ هذا الجدل عام 2012 عندما عاد الواقع الافتراضي للظهور في عرض دعائي للعبة فيديو، وقد استمرت هذه التقنية باستحواذ فيسبوك على صانع النظارات الافتراضية Oculus حيث بلغت قيمة الاستحواذ 3 مليار دولار عام 2014 وتبع ذلك أعوام من التحسينات والتطويرات.
والآن يمثل الواقع الافتراضي نقلة نوعية في آلية تفاعل الإنسان مع العالم الرقمي. ولسنين يقوم البشر بتمرير المعلومات عبر الشاشات ولوحات المفاتيح ولكن تقنية الواقع الافتراضي تُبشر بالتخلص من هذه الوسائط ليصبح التعامل مع المعلومات مباشراً.
فقد أصبحت تسمع الآن بمصطلحات عدة مثل الواقع المعزز AR، الواقع الافتراضي VR والواقع المختلط MR (وهو مسمى آخر للواقع المعزز). ويمكن جمع المصطلحات السابقة تحت مظلة واحدة وهي الواقع الممتد XR-Extended Reality.
تعتمد تقنية الواقع الافتراضي على النظارات بينما تقنية الواقع المعزز (حتى الآن) يتم التعامل معها من خلال هاتفك الذكي.
هل أدركت ما سبق؟ لا تقلق، لأننا لن نبحث في جميع جوانب هذه التقنيات بل سوف نخصص هذه المقالة بالذات للواقع الافتراضي لضمان الفائدة المرجوة من هذا الدليل.
بدأت أخيراً تقنية الواقع الافتراضي بالنضوج بعد أن تجاوزت العديد من العقبات وخيبة الأمل التي صاحبت بداية ظهور هذه التقنية والتوقعات الكبيرة التي بُنيت عليها. ولكن الآن تطورت تقنية الواقع الافتراضي بسرعة كبيرة وأصبح من المهم التعرف عليها ومتابعتها كونها ستدخل في الكثير من جوانب حياتنا اليومية في المدى المنظور.
تاريخ الواقع الافتراضي
بدأت دورة الحياة الحالية للواقع الافتراضي عندما ظهرت النماذج التجريبية الأولية لـ Oculus Rift في معرض ألعاب الفيديو E3 عام 2012. وتعود فكرة ظهورنا ضمن بيئة ثلاثية الأبعاد إلى زمن الصور المجسمة التي أسرت عقولنا في القرن التاسع عشر. فإن قمت بعرض صورتين متطابقتين لكل عين، سوف يعمل دماغك على دمجهما وإيجاد عمق من خلال الفروق الضئيلة بينهما.
أصبحت فكرة الواقع الافتراضي حقيقة في عقولنا عندما بدأنا تصورها في أفلام الخيال العلمي، ولنكون أكثر دقة فقد ذُكر ذلك في القصة القصيرة “Pygmalion’s Spectacles” حين قام العلماء في هذه القصة بصنع نظارات تستطيع إعطاءك شعور بأنك داخل القصة وتتحدث مع الظلال التي تقوم بدورها بالإجابة، وبدلاً من كونها على شاشة تدور القصة حولك وأنت بداخلها.
وفي أواخر الستينات قام بروفيسور في علم الحاسب يُدعى Ivan Sutherland من جامعة Utah بصنع جهاز غريب أطلق عليه اسم Sword of Damocles. ولقد كان هذا الجهاز ضخماً جداً ويجب تعليقه من السقف ولقد كان أول نظارة. كان بإمكان المستخدمين النظر حولهم ورؤية مكعب ثلاثي الأبعاد يطوف في الهواء. (وبما أنك تستطيع رؤية العالم الحقيقي حولك فيمكننا إطلاق تسمية هذه التجربة بالواقع المعزز أكثر من كونها واقع افتراضي ولكنها بكل تأكيد كانت نقطة إلهام لكلا التقنيتين.)
وفي النهاية انضم Sutherland وزميله David Evans للقطاع الخاص وقاموا بتوجيه أعمالهم لتطوير محاكيات الطيران. وكانت القوات الجوية وناسا تبحثان في مجال الشاشات التي يمكن ارتداؤها بنفس الوقت الأمر الذي نتج عنه خوذ ضخمة يمكن للطيار ارتداؤها وتعطي وهماً بزاوية 360 درجة. داخل هذه الخوذ يمكن للطيارين رؤية محاكاة رقمية للواقع الحقيقي خارج طائراتهم بالإضافة إلى المعدات والتجهيزات ضمن الطائرة بشكل ثلاثي الأبعاد من خلال شاشة، وعندما يقوم الطيار بتحريك رأسه سوف تتحرك الشاشة مع حركة رأسه لتريه ما ينظر إليه في العالم الافتراضي.
لم يكن لأي من هذه التقنيات اسم حقيقي على الأقل حتى الثمانينيات عندما قام طالب جامعي اسمه Jaron Lanier بإطلاق تسمية الواقع الافتراضي. (تم استخدام هذه العبارة لأول مرة من قبل كاتب مسرحي فرنسي اسمه Antonio Artaud في عام 1933 بمقالة له.) وقامت شركة VPL Research التي أطلقها Lanier بصنع أول منتجات تستطيع تقديم الواقع الافتراضي وهي EyePhone (yup)، DataGlove وDataSuit. ولقد قدمت الشركة تجربة مقنعة وبدائية من ناحية الجرافيك ولكن بطيئة، غير مريحة وتكلف أكثر من 350000$ لتجهيز كامل لشخصين بما في ذلك الحاسب لتشغيلها.
ولقد أسرت فكرة الواقع الافتراضي عقول الكثيرين بعد ما قدمته شركة VPL وما تلاه من أفكار ظهر بها كتاب أفلام وقصص الخيال العلمي في منتصف التسعينيات. إن لم تقرأ رواية الكاتب Neal Stephenson عام 1992 والتي تدعى Snow Crash فلا بد أنك شاهدت فيلم Lawnmower Man في نفس العام.
ولم تظهر فكرة الواقع الافتراضي فقط في الأفلام بل أيضاً في قصص الأطفال مثل VR Troopers وضمن حلقات لمسلسلات مثل Murder She Wrote و Mad About You.
وانتظر جميع الجيمرز هذا العالم الواقع الافتراضي الذي وُعدوا به. فضمن الأسواق الضخمة كان بإمكان الجيمرز تجربة ألعاب الواقع الافتراضي القصيرة، بينما في المنزل كنت تستطيع شراء نظام نينتيندو للألعاب ثلاثية البعد والذي دعي Virtual Boy حيث تجاهلت الشركة الصداع الذي تسببه النظارات. (تم إيقاف العمل بـ Virtual Boy بعد 6 أشهر من إطلاقه.) وللأسف تبين أن الواقع الافتراضي لم يكن على قدر التوقعات وأصبح هذا المصطلح ضعيف التداول.
استمرت الدراسات والأبحاث في القطاعات الخاصة والعلمية وتوقف الواقع الافتراضي عن الظهور في منتجات للمستهلك.
ثم ظهرت الهواتف الذكية:
احتوت هذه الهواتف على شاشات صغيرة عالية الدقة، أداة تحديد الاتجاه، أداة تحديد السرعة ثم تطورت معالجات هذه الهواتف لتتمكن من تشغيل جرافيك ثلاثية الأبعاد. وفجأة أصبحت المعوقات الناتجة عن قصور التجهيزات والتي وقفت في وجه تطور الواقع الافتراضي غير موجودة.
في عام 2012، جاء John Carmack (هاو واقع افتراضي) إلى معرض E3 وبحوزته مفاجئة خاصة. فقد افترض نموذج لنظارة واقع افتراضي تم صنعها من قبل شاب بعمر 19 سنة مهووس بعالم الواقع الافتراضي يدعى Palmer Luckey وقام بتشغيل نسخة واقع افتراضي من لعبة Doom عليها.
كان الوجه الأمامي لهذه النظارة مغطى بالشريط اللاصق ولكنها عملت. وعندما جرب الناس هذه النظارة وجدوا أنفسهم محاطين بجرافيك ثلاثية البعد تشاهدها بالعادة على شاشات التلفاز ولم يكونوا يلعبون فقط Doom بل كانوا داخل اللعبة.
بدأت الأمور بالتسارع بعد هذا الحدث فقد جمعت شركة Luckey والتي تدعى Oculus أكثر من 2 مليون دولار كبداية لإنتاج النظارة والتي سماها Oculus Rift. وفي عام 2014 قامت شركة فيسبوك بشراء Oculus بما يقارب 3 مليار دولار. يقول مارك زوكربيرغ:
امتلكت Oculus فرصة إنشاء منصة تواصل اجتماعي قد تكون الأقوى لتغير طريقة عملنا، وتواصلنا.
وفي عام 2016 تم إطلاق الموجة الأولى من نظارات الواقع الافتراضي الموجهة للمستهلكين والتي كانت عبارة عن طرفيات وليست نظام كامل مثل: Oculus Rift و HTC Vive والتي تتصل كل منهما إلى حاسب بمواصفات عالية، وأخيراً نظام الواقع الافتراضي PlayStation والذي عمل من خلال منصة ألعاب PlayStation 4.
وفي عام 2018 وصلت أول نظارة واقع افتراضي تعمل كنظام مستقل فليست بحاجة للوصل لحاسب أو هاتف ذكي، وقد احتوت على كل التجهيزات التي تجعل الواقع الافتراضي سهل الاستخدام لأول مرة.
مستقبل الواقع الافتراضي
يبقى السؤال لما كل هذا العمل الحثيث على تطوير هذه التقنية لكن الإجابة عليه تحتمل العديد من الأوجه. الإجابة الأسهل والأكثر إرضاء أن هذه التقنية مفيدة لكل شيء.
تظهر تقنية الواقع الافتراضي أنها ليست فقط للألعاب والتسلية بل أيضاً قد تستخدم في تطبيقات لإزالة الألم أو التعليم أو التصميم أو العمل عن بعد. كما أنَّ التواصل الاجتماعي من خلال الواقع الافتراضي أكثر قوة من أي وسيلة اتصال رقمية أخرى قد استعملناها.
ويتم تخزين تجربتنا ضمن العالم الافتراضي بدءاً من ردة الفعل للمحيط وانتهاءاً بجودة التفاعل معه ليتم استعادتها ضمن الدماغ مثل أي ذاكرة أخرى.
وحتى الآن وبعد كل النقود التي صرفت ضمن هذا المجال لم يظهر شيء مثل الواقع الافتراضي للآيفون وهو المنتج الذي يجمع التكنولوجيا المتوفرة بشكل مرغوب وحسي. وبالرغم من أن الواقع المعزز والمختلط ما زالا خلف الواقع الافتراضي عدة سنوات، لكن يوجد سبب وجيه يؤكد أن هذه التقنيات المترابطة لن تبقى منفصلة عن بعضها وبدلاً من ذلك سوف تعمل ضمن نفس الجهاز لتقدم عالم افتراضي مذهل قد يصبح شفاف ليسمح بالتفاعل مع العالم الحقيقي مرة أخرى.
وقد نحصل على هذه التقنية من شركة آبل كما أن شركة Cupertino تعمل على نظارات قد تقوم بإطلاقها عام 2020. ولكن ظهرت الشركة الممولة بشكل هائل والأكثر سرية والمتواجدة في فلوريدا Magic Leap بعد سنين من التطوير المدروس لتطلق أول نسخة للمطورين من نظارتها للواقع المعزز وقد صرحت الشركة أن جهازها قادر على تقديم الواقع الافتراضي التقليدي بالإضافة لإسقاطات الهولوجرام المرتبطة بالواقع المختلط.
ولكن حتى مع هذا النوع من الأجهزة ما زلنا في بداية طريق طويل وغير واضح وذلك ليس بسبب محدودية ما وصلنا له من تكنولوجيا ولكن بسبب الآلية الخاطئة التي قد يستخدم بها البشر هذه التقنية.
الإنترنت مذهل ولكن كيف يتعامل البشر مع بعضهم من خلاله أمر آخر تماماً. أسقط هذا المفهوم على الواقع الافتراضي حيث تكون ممثلاً بأفاتار مما يعني أن هنالك حدود شخصية قد يتم التعدي عليها فمن خلال الصوت المكاني والتغذية الراجعة لأحاسيس اللمس تستطيع سماع والإحساس بما يقوله الآخرون عنك أو يفعلونه بك وبالتالي فقد تواجه تصرفات عدائية صادمة أكثر من أي شيء موجود على وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية.
أيضاً هنالك سؤال هام يتمحور حول المصادقة. فقد تعرضنا عبر الانترنت إلى الاحتيال والأخبار المزيفة. تخيل لو نقلت كل هذه الأمور لوسط متفاعل أكثر فما الذي قد يحصل.
للأسف غالباً تسبق التكنولوجيا مشرعي القوانين وهذا أمر يجب تجنبه وبالتالي التفكير بقوانين تضبط ما يقدمه لنا التقدم التكنولوجي قبل إطلاقه ضمن السوق ويصبح بمتناول الجميع، مما قد يعرض البعض لممارسات خاطئة من قبل الآخرين دون أن نتمكن من ضبطها قانونياً بالسرعة المطلوبة.
يجب أن نتجهز لما يخبئه لنا المستقبل وتأكدوا أنه يحمل الكثير من الأمور الجيدة والتي سوف تغير الطريقة التي نعيش بها اليوم بشكل كبير.
راجع أيضاً: