من الصعب أن تمضي عدة ساعات دون أن تشاهد الأشخاص من حولك يحدقون في شاشات متوهجة، فالهواتف والحواسيب لا تغادر منازلنا وأصبحت ترافقنا في كل مكان حتى إلى الملعب والمدرسة وفي الإجازة العائلية.
في كل مكان تنظر إليه، يحدق الأطفال في شاشات الهواتف الذكية، وشاشات الكمبيوتر، والأجهزة اللوحية، وباتت هذه المشكلة تشكل عبئاً إضافية على أولياء الأمور بسبب إدمان الأطفال على التكنولوجيا.
السؤال الحقيقي الآن هو: هل حسنت التكنولوجيا قدرة الأبناء على التكيف والتعاطف مع الآخرين أم أنها تزيد من عزلتهم؟ وكيف يُمكن للأهالي التعاطي الصحيح مع أبنائهم حول التكنولوجيا.
حسناً، قبل أن نناقش الحلول يجب علينا الانتباه إلى أنه لم يحدث من قبل في التاريخ أن تمكن الأطفال من الوصول الفوري إلى الكثير من المعلومات.
مع وجود بيانات لا حصر لها في متناول اليد، يمكن للأطفال من خلال عدة نقرات الوصول إلى حقائق ومعلومات قد تستغرق ساعات طويلة للعثور عليها بالطرق التقليدية، هذا على الجانب الإيجابي.
وفي حين أن التكنولوجيا قد وسعت معرفتنا عن العالم والتعليم وقدمت حلولاً في مختلف قطاعات الحياة، فإنها سرعان ما أصبحت مصدرًا أساسياً للصراع بين الآباء وأطفالهم في المنزل.
ما ينبغي للآباء والأمهات معرفته
أولاً: التكنولوجيا ومزاج الطفل
بعض الأطفال لا يحبون التكنولوجيا، ويميل هؤلاء الأطفال لأن يعيشوا حياة كاملة مليئة بالهوايات والعديد من الأنشطة مثل الانضمام إلى النوادي المدرسية، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والفرق الرياضية، وبالنسبة إليهم، التكنولوجيا هي مجرد هواية أخرى، وهؤلاء لا داعي للقلق عليهم.
أما الأطفال الآخرين، تلتهم التكنولوجيا حياتهم، ولا يمكن إيقاف تعلقهم الكبير بالتكنولوجيا بسهولة.
يميل هؤلاء الأطفال إلى أن يكونوا أكثر عزلة وقلقًا، كما أنهم في الأغلب لا يمتلكون مهارات تواصل فعالة، ويصعب عليهم الحفاظ على الصداقات في الحياة الواقعية.
بالنسبة إليهم، التكنولوجيا هي مجرد طريقة لتجنب عالم محبط، عالم لديهم صعوبة في التعامل معه، وبالتالي عن طريق وضع شاشة متوهجة أمام وجوههم، يمكنهم قطع الاتصال والتواصل والإبحار في عالمهم الافتراضي.
وللأسف، كلما كانوا أكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا، كلما كانوا أقل ارتباطًا بالناس من حولهم.
فمثلاً نشاهد في المخيمات الصيفية المميزة منع استخدام أي تقنية خلال فترة المخيم، هذا لأن المنظمين يعلمون أن الأطفال الأكثر اتصالاً بالتكنولوجيا هم أقل اتصالًا ببعضهم البعض، وهذه مسألة يجب على الآباء التعاطي الصحيح معها.
إذا أصبحت التكنولوجيا النشاط الأساسي لطفلك، وإذا كان طفلك يقضي ساعات في اليوم في تصفح الإنترنت بدلاً من المرح مع الأصدقاء أو المشاركة في الأنشطة المدرسية والاجتماعية، فيجب تحذيره مباشرة وعدم الانتظار حتى يسوء الوضع.
قد يكون لديك مدمن للتكنولوجيا في منزلك وأنت لا تعلم، لذا حاول علاج الأمر من البداية.
ثانياً: ادمان التكنولوجيا
مع ذلك ينبغي للأهالي أن يدركوا أن ليس كل استخدام للتكنولوجيا هو إدمان، فهي حالات محصورة على عدم قدرة الطفل على التحرك بدون هذه الوسائل مثل الهاتف الذكي وقضائه لساعات طويلة جداً في استخدام الأجهزة التكنولوجية.
ومثل أي إدمان، ينخفض الأداء الشخصي للمدمن، فالطفل يصبح مزاجي وأكثر اندفاعية، وأقل تعاطفًا، ومع تزايد حاجتهم للمزيد من الوقت تزداد الصدامات مع الأهل.
الأطفال المدمنين على التكنولوجيا هم أكثر عرضة للمعاناة من:
- عزلة اجتماعية
- ضعف المهارات الاجتماعية
- الحالة المزاجية غير المستقرة
- الاندفاع
- اضطرابات النوم
- احترام الذات متدني
في حال كان طفلك يعاني من هذه الأمور أو بعضها، فهذا يعني أن عليك مسؤولية كبيرة جداً في إخراج طفلك من هذه الحالة.
ثالثاً: أخطاء الآباء
بدلاً من مواجهة الآباء لهذه المشكلة بطرق فعالة وصحيحة فإنهم للأسف يعالجون الأمور بطريقة خاطئة تزيد من تمسك الطفل بالتكنولوجيا وتعزز الصدام معه، فلا ترك الطفل على راحته تجنباً للصدام، ولا فرض سلوكيات تعسفية وعقابية عليه هي الحل.
يعد وضع قيود على السلوكيات غير الصحية، سواءً إدمان التكنولوجيا أو غيرها، جزءًا هامًا من الأبوة والأمومة الجيدة.
لذا فإن قيام الأب أو الأم بدور “حارس التكنولوجيا” قد لا يجعلك تحظى بعلاقة ودية دائماً مع ابنك، ولكنه أمر أساسي لمنع الميول إلى إدمان التكنولوجيا والمحافظة على ابنك ووضعه على المسار الصحيح.
أكبر 3 أخطاء يرتكبها الآباء فيما يتعلق بالتكنولوجيا هي:
- عدم وضع حدود لاستخدام التكنولوجيا
- عدم وجود أنشطة عائلية كافية بدون تكنولوجيا
- الآباء هم أيضاً مدمني التكنولوجيا
وقبل الحديث عن بعض التوصيات والنصائح للآباء، من المهم معرفة أن كل طفل مختلف عن الآخر، وما يصلح لطفل واحد، قد يكون كارثة لآخر، وهو ما يعني أن تختار دائماً ما يناسب طفلك وعائلتك ومحاولة فهمه أكثر والتقرب له للوصول إلى الحلول الناجعة.
هناك عشرات الطرق والوسائل التي يُمكن اتباعها للتعاطي مع الأطفال حول هذه المشكلة، لكن هناك مجموعة توصيات ونصائح أساسية لا يُمكن تجاهلها في حال أردت تأسيس قواعد عائلية سليمة لاستخدام التكنولوجيا.
توصيات أساسية للآباء والأمهات ممن لديهم طفل مهووس بالتكنولوجيا.
حظر التكنولوجيا في أوقات معينة
ينبغي على الآباء تخصيص أوقات حددة في المنزل يومياً لا يتم فيها استخدام التكنولوجيا إطلاقاً بما في ذلك الآباء أنفسهم.
الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة واللوحية وكل جهاز تكنولوجي، يجب حظر استعمالها في هذه الفترات.
إذا كنت تريد الحفاظ على طفلك من إدمان التكنولوجيا، يجب أن تقود أنت الطريق وأن تكون قدوة له في ذلك.
خلق أنشطة عائلية مشتركة
لا يقع أي لوم على الطفل إن شاهد كل أفراد العائلة محدقين في هواتفهم الذكية، فهو لا يملك أي حل إلا أن يفعل مثلهم لتمضية الوقت.
وبالتالي فإن خلق الكثير من الأنشطة العائلية المناسبة للأبناء ستساعد في الحد من استخدام التكنولوجيا.
يمكن قضاء وقت خالٍ تماماً من التكنولوجيا في القراءة والحديث أو اللعب الجماعي أو حتى الطهى أو ممارسة الأنشطة الإبداعية أو الاجتماعية.
تخصيص ساعات للتكنولوجيا
يحتاج أطفالنا إلى وضع حدود لاستخدام وسائل التكنولوجيا يومياً، بحسب الأنشطة المختلفة التي يريدها الأبناء.
فمثلاً يُمكن تخصيص ساعات معينة للواجبات المنزلية والألعاب أو تصفح الإنترنت وهكذا.
سيساعد تحديد وقت التكنولوجيا على الحد من الصدام مع الأهل عبر إرشادات واضحة وبسيطة.
لنأخذ الألعاب كمثال كونها السبب الأكبر للصدام مع الأهالي، يُمكنك السماح لطفلك باللعب يومياً لمدة 30 دقيقة في الأيام الدراسية وساعتين يومياً في عطلات نهاية الأسبوع.
تخصيص مساحات للتكنولوجيا
من الرائع جداً أن تخصص العائلة مساحات مشتركة داخل المنزل لاستعمال التكنولوجيا، إن كان ذلك ممكناً لهم.
هذه المساحات المشتركة مثل غرفة المعيشة أو غيرها، ستقلل العزلة نوعاً ما كما أنك من خلالها تتجنب السماح لطفلك بالاختفاء لساعات خلف باب غرفته المغلق.
فلترة التكنولوجيا
هناك الكثير من الخدمات عبر الإنترنت التي يمكنها تصفية المواد غير الملائمة أو العنيفة، ويمكن لهذه الخدمات أيضًا تقييد الوصول إلى الإنترنت عن طريق جدولة الأوقات التي يتوفر فيها الاتصال إضافة إلى التحكم بنوعية المحتوى المستهلك للأطفال.
وحتى في ظل السماح لطفلك باستعمال وسائل التكنولوجيا بصورة منظمة، لا يعني ذلك إعفاءك من باقي المسؤولية بل يجب أن تكون الرقابة الأبوية حاضرة دائماً لتوجيه الطفل نحو الأفضل.
النصيحة الأخيرة والأهم: أوقف إدمان التكنولوجيا قبل أن يبدأ
ليس أمام الآباء سوى خيارين، إما التحكم في وسائل التكنولوجيا، أو المخاطرة بجعل التكنولوجيا تتحكم في أطفالهم.
التكنولوجيا بدون إشراف ورقابة أبوية لا تعد حالة جيدة إطلاقاً داخل المنزل، ولا يُمكنك أن تشتكي لاحقاً من إدمان الأطفال على التكنولوجيا.
تأكد من أن طفلك سيعاني كثيراً على صعيد الاجتماعي والشخصي والمهني، طالما أنك تركته يحدق في شاشة متوهجة طوال الوقت، بدلاً من التواصل الهادف معه وإشعاره بالحميمية والقرب.
اعثر على التوازن الصحيح لاستخدام التكنولوجيا في منزلك واوقف إدمانها الآن، قبل أن تتحكم في مستقبل طفلك.