لعبة الحوت الأزرق تطفو من جديد .. الحقائق الكاملة وما يجب على الآباء معرفته

لعبة الحوت الأزرق

شهدت المدينة المنورة، صباح الجمعة 6 يوليو 2018، حادثًا مأساوياً عقب انتحار طفلة مراهقة تبلغ من العمر 13عامًا وادعت وسائل اعلامية أن لعبة الحوت الأزرق هي السبب.

وتعد هذه الحالة هى الثانية التي تشهدها المملكة العربية السعودية خلال أيام؛ حيث وقعت الحادثة الأولى في أبها منذ وقت قريب.

أصبحت لعبة الحوت الأزرق هى اللعبة الأشهر على مستوى العالم، وذلك ليس بسبب قوة اللعبة، ولكن بقدر النتائج الكارثية التي تسببها في النهاية، وهى دفع من يلعبها إلى الانتحار.

هل تتخيل أن تقود لعبة الكترونية الأطفال إلى الانتحار وتنهي حياتهم؟! وهل تتوقع أن يقوم شخص بتصنيع لعبة ليس بهدف التسلية والترفيه، ولكن هدفها الاول هو قتل الأطفال وتشجيعهم على الانتحار؟!

والأغرب من كل ذلك أنه نجح بالفعل، وراح ضحايا هذه اللعبة أطفال ومراهقين في بداية حياتهم، بلغ عددهم ما يقرب من 20 طفل حتى الآن.

أحاول في هذا المقال، جمع المعلومات، وطرح الحقائق، ونفي الشائعات المحيطة بهذه اللعبة، بهدف التوعية ضد مخاطرها وأهدافها السيئة.

الفهم الجيد لأسلوب هذه اللعبة في دفع المراهقين للانتحار، سيساعدنا على المدى الطويل في رصد التغييرات الطارئة على اللاعبين المراهقين، و حمايتهم من أنفسهم، قبل حدوث أي شئ خطير.

ما هى لعبة الحوت الأزرق، و لماذا سميت بهذا الإسم؟

لعبة الموت غير موجودة فعلياً على متاجر التطبيقات، فاللعبة لا يمكن تحميلها أو اختيار الاشتراك فيها بشكل إرادي؛ لا يمكن الدخول في اللعبة إلا من خلال دعوات توجه للضحايا ممن يديرون شبكة اللعبة على منصات التواصل الاجتماعي.

للتنويه، هناك تطبيقات ألعاب مزيفة بنفس الاسم، لاعلاقة لها باللعبة الأصلية.

لنكن أكثر دقة اللعبة يطلق عليها إسم تحدي وليس لعبة – Blue Whale Challenge.

يقوم بهذا التحدي أشخاص حقيقيون، وليس تطبيق إلكتروني أو لعبة على الهاتف المحمول أو أي جهاز أو منصة أخرى.

سميت اللعبة بذلك تشبيهًا لقتل الحيتان الزرقاء لأنفسها، وذلك من خلال ظاهرة تعرف بـBeaching.

حيث تلقي الحيتان الزرقاء أنفسها على الشاطئ مما يتسبب في مقتلها لأسباب غير معروفة، و على هذا المنوال فإن المعنى الكامن وراء هذه اللعبة يندرج تحت منطق مشابه.

Beaching
ظاهرة انتحار الحيتان Beaching

كيف بدأت هذه اللعبة (التحدي) في الظهور؟

بدأ الأمر كله فى عام 2013، حين بدأ فيليب بوديكين الشاب الروسى مصمم اللعبة فى التواصل مع بعض المراهقين والاستماع الى مشكلاتهم عبر برنامج “سكايب”.

بدأ يطلب منهم ارسال المزيد من المراهقين، و نظن أن بوديكين تواصل مع نحو 20 ألف مراهق بهذه الطريقة، وبدأ فى إرسال محتويات باعثة على الإكتئاب مثل أغانى وكتابات حزينة.

واختار من بين هؤلاء الأشخاص الأكثر ضعفاً وإحباطاً للتلاعب بهم.

بدأ بوديكين فى التلاعب بضحاياه عبر هذه اللعبة (التي كانت تحت مسمى F57 في البداية). كان يطلب من الذين يقدمون على قتل نفسهم، أن يتخلصوا من جميع الوسائل التى يمكن من خلالها للمحققين الوصول لسر انتحارهم، وهو ما جعله بعيدًا عن الأعين لسنوات.

لكن أحد الفتيات ذات عمر 15 عامًا لم تمسح حسابها على موقع التواصل الاجتماعى الروسى VK، وهو ما قاد المحققين فى النهاية للوصول إليه في منتصف عام 2017.

فيليب بوديكين
فيليب بوديكين

لماذا قام فيليب بحث الناس على قتل أنفسهم؟

فى لقاء نادر أجرته قناة “REN-TV” الروسية معه قبل القبض عليه، قال بوديكين أن ما فعله كان إنقاذًا لضحاياه من التعاسة التى كانوا يعيشون فيها بالفعل، وجعل حياتهم أكثر سعادة، ويجعلهم يدركون مشكلتهم الحقيقية، وهى أنهم يجب أن يغادروا حياتهم.

الأكثر من هذا أن بوديكين وعد من يلعبون اللعبة بالسعادة الأبدية فى الجنة، حيث أخبر الضحايا أنه سيجمعهم جميعًا فى مكان واحد فى السماء.

قال فيليب بوديكين أنه اخترع اللعبة كي يطهر العالم من “النفايات البيولوجية”، لأنه يرى أن البشر نوعين، وهما “بشر ونفايات بيولوجية” لذلك يجب تطهير العالم من النفايات البيولوجية التى كانت ستسبب الأذى للمجتمع بعد ذلك، مشيرا إلى أن جميع ضحاياه سعداء بالموت.

هذا هو السبب الحقيقي وراء صناعة اللعبة، و يمكننا أن نرى بوضوح أن أصل التحدي كان فتى جامعى منعزل ومصاب بالإكتئاب. ولعب هذه اللعبة لن يقدم السعادة كما يعتقد البعض، بل هى مجرد نزوة من مراهق اعتقد أنه نصف إله، على حد قوله عندما تم سجنه.

كيف يتم اختيار الضحية ؟

يقوم المسؤول (في اللعبة) بإجراء مسح كامل للضحية والتعرف على شخصيتها.

يتم ذلك من خلال تحديثات الحالة الإلكترونية، والمنشورات اليومية على المواقع الاجتماعية، وحتى المعلومات الشخصية المتوفرة في ملفات الضحايا على مواقع التواصل الاجتماعي. وعادة ما يتم استهداف فئة عمرية محددة ٦-١٤ سنة.

بعد أن يتم دراسة الضحية وجمع المعلومات الكافية عنه، يتم مراسلته من قبل المسؤول، و تلغيم جهازه بفيروسات وبرامج تمكن المسؤول من التسلل لجهاز الضحية، وجمع مستندات مهمة أو صور يتم استخدامها لاحقاً لتهديد الضحية لإكمال اللعبة.

تحدي الحوت الأزرق
رسالة الترحيب فى تحدي الحوت الأزرق

ما هى العلامات التي قد تدل على دخول شخص ما في اللعبة ؟

هى علامات استدلالية و ليس حصرية، مثل قلة النوم، استعمال الهواتف والأجهزة بشكل أكثر من ذى قبل، وارتداء ملابس فضفاضة طويلة الأكمام لإخفاء أي إصابة أو جروح على أجسادهم، وأيضًا العزلة وعدم الاختلاط مع الآخرين.

كيف تعمل اللعبة؟

تمتد اللعبة إلى خمسين يومًا (وخمسين مهمة). تبدأ المهام بأن تنقش رمز اللعبة على جسدك باستعمال آله حادة، ثم تتدرج نحو مهام سوداوية، مثل مشاهدة أفلام الرعب، و الابتعاد عن الأصدقاء، أو الوقوف على أسطح عالية أو أماكن خطرة تعرض الشخص للموت إذا لم يكن حذرًا، أو كتابة رسائل حزينة على مواقع التواصل الشخصية، ثم تنتهي بالمهمة الأخيرة وهى الإنتحار.

تحدي الحوت الأزرق
رسائل المهمات فى تحدي الحوت الأزرق

ما الذي يتوجب علينا فعله لإيقاف خطر لعبة الحوت الأزرق ووصولها لأبنائنا ؟

في البداية علينا أن نعرف أن لعبة الحوت الأزرق ليست هى الدافع الحقيقي للانتحار، فهناك دائمًا دوافع نفسية مسبقة يتحمل الأهالي مسؤوليتها الكاملة بالدرجة الأولى.

إن القلّة الذين إنتحروا بسبب اللعبة، كان لديهم علامات إضطرابات نفسية مسبقة، وكانت اللعبة هى الدفعة الأخيرة الّتي احتاجوها. فإهمال الأهالي لحالتهم الأولية هى المشكلة.

و كما ذكرت من قبل، فإن ضحايا اللعبة ينشرون حالتهم الصحية واكتئابهم على مواقع التواصل قبل أن يتم إرسال التحدي إليهم، هذا يعني أن المراهقين لديهم مشاكل أخرى بجانب اللعبة.

النصيحة الأولي والمهمة هى تغيير إعدادات الخصوصية في حساباتك عبر الإنترنت، بحيث لن يتمكن أحد غيرك أنت أو عائلتك أو أصدقائك المقربين من رؤية ملفك الشخصي. بالإضافة إلى ذلك، لا تقبل طلبات الصداقة من أشخاص لا تعرفهم.

النصيحة الثانية هى أن لا تتحدث مع الغرباء و لا ترد على المكالمات من أشخاص لا تعرفهم. إذا رأيت أشخاصًا ينشرون المشاركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاغات مثل ، ، و ، فهذه علامات مرئية على أن الشخص بحاجة إلى المساعدة.

وبالطبع يجب على الأهالي منع أبناءهم من قضاء ساعات طويلة متواصلة في العالم الافتراضي، وأن يسعوا دائماً إلى فتح حوار ونقاش معهم والاستماع لهم ومعرفة الألعاب التي يحبونها واستكشافها معهم لمعرفة إن كانت مضرة بهم أم لا وبناء علاقة ودية معهم.

وينبغي على أولياء الأمور الوعي بالمخاطر المحيطة لاستعمال الأبناء لشبكة الانترنت ومنحهم الهواتف ومدى تأثير ذلك على نفسية الطفل وإدراكه.

من المهم أيضاً اعتماد الأهالي على تطبيقات الرقابة الأبوية التي تتيح لهم متابعة سلوك أبنائهم وتقييد وصولهم لأي محتويات قد تكون مضرة لهم.

وينصح الخبراء بعدم اتباع سياسة العنف مع الأبناء لمنعهم من الولوج إلى الإنترنت أو الألعاب، وهو طريق قد يزيد الطين بلة.

هل لعبة الحوت الأزرق هى اللعبة الوحيدة التي يجب أن نقلق منها؟

لا، هناك العديد من الألعاب الأخرى النفسية التي تلعب على فكرة نفسية الأطفال والمراهقين وجهلهم بالصواب و الخطأ.

  1. لعبة الاختناق The Pass Out Challenge هى نوع آخر من التحدي، و الذي يطلب من المراهقين والأطفال شنق أنفسهم كنوع من المتعة. أودى هذا التحدي بحياة ما بين 250 إلي 1000 شخص في الولايات المتحدة.
  2. تحدي القطع، الذي يهدف إلي قطع المراهقين لأنفسهم عن قصد، كما يشجعهم على نشر صور الإصابات الجسدية على مواقع التواصل الإجتماعي.
  3. تحدي الملح و الجليد، و فيه يضع الأطفال الملح على جسمهم ثم يضعون الثلج فوقه، مما يتسبب في تقليل حرارة الثلج إلي -26 درجة مئوية، مما يتسبب في حروق مروعة للجلد.
  4. جنية النار Fire Fairy، و هى لعبة لتشجيع الأطفال على اللعب بالنار، وفتح الغاز في الموقد في منتصف الليل. تقول تعليمات التحدي أنه إذا تنفست الغاز أثناء النوم وفي الصباح، عندما تستقيظ ستصبح جنية حقيقية من نار، و طبعًا لن تكون النهاية ذلك، بل ما سيحدث بالفعل هو احتراق البيت بأكمله.

من المهم الإشارة إلى أن لعبة الحوت الأزرق أو مثل هذه الألعاب، إن جاز تسميتها هكذا أصلاً، لا يتم طرحها على أي من متاجر الألعاب سواءً ألعاب المنصات المنزلية أو ألعاب الهواتف المحمولة ووضحنا لكم في المقال كيف يتم استدراج الضحايا، لذا فإن توجيه أصابع الاتهام بصورة أو بأخرى لصناعة الألعاب ما هو إلا مجرد سخافة وهروب من المسؤولية.

في النهاية ننبه مجددًا أن اللعبة ليست مرئية ولكن هى مجرد فكرة، يمكن أن يقوم بها أي شخص مع شخص آخر، طالما توفرت الظروف النفسية التي تكلمنا عنها.

و بالرغم من تواجد فيليب داخل السجن، إلا أن لعبة الحوت الأزرق مازالت تحقق انتشاراً أكبر في جميع أنحاء العالم، وازداد الجدل بخصوصها بعد حالات الانتحار المرتبطة بها.

أخيراً، يجب على الأهالي دائمًا توخي الحذر ومتابعة أبنائهم ومعرفة المخاطر الكامنة وراء منحهم صلاحيات الكترونية مطلقة بدون رقابة.

محمد حسن
الكاتبمحمد حسن
أغطي صناعة ألعاب الفيديو وأكتب عن اللاعبين والمؤتمرات ومراجعات الألعاب، خاصة ألعاب PlayStation 4, Nintendo Switch.