مراجعات

Mafia: The Old Country – بين الحلم والخيبة

ها أنا ذا أحد أولئك الذين عاشوا مع سلسلة Mafia منذ بزوغها الأول؛ أتابعها جزءاً بعد آخر كما يتابع المرء فصول رواية تتعدد وجوهها وتبقى روحها واحدة: الدراما المتقنة، عالم العصابات بما فيه من قسوة وغموض، والتفاصيل الصغيرة التي تصنع عالماً نابضاً بالحياة. وحين أُعلن عن Mafia: The Old Country استبدّ بي الحماس، إذ تخيّلت نفسي أعود إلى صقلية مطلع القرن العشرين، إلى البدايات الأولى للمافيا، حيث الجذور الأولى للظلال الثقيلة التي ألقت بوشاحها على العالم.

غير أنّ الساعات الطويلة التي قضيتها أمام الشاشة لم تمنحني ما تمنّيت. كنت أبحث عن ملحمة تليق بالتاريخ والاسم، فإذا بي أصطدم بواقع يفتقر إلى البريق الذي انتظرته. كأن اللعبة قد وُعدت أن تكون مرآة الماضي، فإذا هي مرآة ضبابية، تُخفي أكثر مما تُظهر.

السرد والقصة: بين الوعد والتنفيذ

القصة ذاتها كانت الخيبة الكبرى؛ مملة على نحو جلي، رتيبة تتكرر فيها الأحداث كأن المطورين أرادوا إطالة عمر اللعبة بأي وسيلة. تسلسل الوقائع بدا متوقعاً حد الابتذال، فلم أشعر بأي توتر أو تشويق حقيقي.

أما الشخصيات الرئيسية فلم تترك أثراً يُذكر في الذاكرة؛ فالبطل إنزو كان باهت الملامح، والعائلة الجديدة لم تمنحني سبباً واحداً يدفعني للارتباط بحكايتهم. حتى علاقة الحب في اللعبة جاءت سطحية، باردة، بلا كيمياء، وكأنها مشهد عابر بلا روح. والنهاية بدت وكأنها مقصوصة، ناقصة، هبّت فجأة ثم انطفأت بلا اكتمال.

باختصار: كنت أنشد حكاية عصابات حقيقية، فإذا بما حصلت عليه ليس سوى سيناريو فارغ يفتقد إلى هوية سلسلة Mafia.

أسلوب اللعب: تكرار وبدائية

أسلوب اللعب جاء ليزيد الطين بلة. التكرار كان سيد الموقف في كل تفصيلة تقريباً، والمهام تعيد نفسها حتى يضيع أي شعور بالحماس أو التجديد.

  • القتال، وبالأخص قتال السكاكين، كان رديئاً حد الإحباط؛ نظام غريب، غير دقيق، يجعلك تكره أن تمد يدك إلى السكين.
  • الذكاء الاصطناعي للأعداء ضعيف، وكثيراً ما تشعر وكأنك غير مرئي بالنسبة لهم.
  • التخفي بدائي إلى درجة تذكرك بألعاب عتيقة؛ الأعداء بالكاد يتحركون، وإخفاء الجثث لا جدوى منه.
  • حتى المهام التي أُجبرت على أن تكون مبنية على التخفي، بدت ثقيلة ومملة.

وبصراحة، لم تمنحني اللعبة إحساس أنني أعيش حياة مجرم مافيا، بل جعلتني أكرر الحركات ذاتها بلا متعة ولا روح.

العالم والاستكشاف: واجهة جميلة بلا محتوى

حين شاهدت العرض الأول للعبة، قلت في نفسي: واو، عالم مفتوح سيمنحنا تجربة كاملة! لكن ما وجدته كان نقيض ما توقعت.

العالم في جوهره فارغ؛ صحيح أن المناظر بديعة، والريف الصقلي مرسوم بإتقان يسرّ العين، لكن المحتوى يكاد يكون صفراً. لم أجد خارج القصة الرئيسية سوى جمع بعض المقتنيات أو المرور على متاجر بلا قيمة تُذكر.

أما وضع Free Ride الذي أضيف لاحقاً، فلم يكن سوى محاولة ترقيع لنقص المحتوى من الأساس. العالم بدا لي أشبه بمتحف جميل، تُعجب بزواياه للحظة، ثم تدرك أنه بلا حياة.

وبصراحة، لم تمنحني اللعبة إحساس أنني أعيش حياة مجرم مافيا، بل جعلتني أكرر الحركات ذاتها بلا متعة ولا روح.

الأداء التقني والرسوميات

من الناحية البصرية والصوتية، أبدعت اللعبة أيّما إبداع. الرسوميات شدتني بحق: تفاصيل القرى والمزارع، الشوارع الملتفة، والسيارات القديمة المهيبة، كلها صُممت بعناية متناهية جعلتني أتنفس أجواء صقلية في بدايات القرن العشرين. الأصوات جاءت واقعية، والموسيقى التصويرية أضفت طابعاً سينمائياً ساحراً. أمّا أداء شخصية Don Torrisi الصوتي، فكان بحق من أجمل ما في التجربة، يحمل رهبة الحضور وعمق الشخصية.

أما الأداء التقني، فلم أعانِ من مشاكل تُذكر. نعم، ظهرت بعض الأخطاء الطفيفة والتقطعات العابرة، لكنها لم تؤثر على سير اللعب أو تُفسد التجربة. في المجمل، الأداء كان مستقراً، واللعبة سارت بسلاسة جديرة بالثناء.

القيمة وإعادة اللعب

اللعبة بدت قصيرة على نحو واضح؛ فقد استغرقت مني ما يقارب سبع عشرة ساعة بلعبٍ هادئ متأنٍ، وهذا زمن لا يُقارن بألعاب أخرى في الفئة ذاتها والسعر نفسه. وحتى عند اختيار أصعب مستوى صعوبة، لم أجد تحدياً حقيقياً يرفع من قيمة التجربة.

أما ما زاد الإحباط، فهو غياب أي دافع لإعادة اللعب. القصة خطية تماماً، بلا اختيارات تُغيّر مجرى الأحداث، ولا طور New Game Plus يفتح آفاقاً جديدة. وبعد أن تُسدل الستارة على القصة، لا تجد سبباً مقنعاً للعودة إلى العالم مرة أخرى.

وبالنسبة للسعر، فقد طُرحت اللعبة بخمسين دولاراً، وهو مبلغ لا يوازي ما قُدم. قيمتها الحقيقية أقرب إلى ثلاثين أو أربعين دولاراً، بوصفها لعبة قصيرة ومحدودة المحتوى.

مقارنة مع الأجزاء السابقة

  • Mafia (2002): تجربة خطية قوية بسرد أيقوني.
  • Mafia II (2010): عالم أوسع قليلاً، لكنه ظل مسرحاً للقصة.
  • Mafia III (2016): قدم عالماً مفتوحاً، لكنه انتُقد لفراغه وتكراره.
  • Mafia: The Old Country (2025): عادت إلى الخطية، لكنها لم تقدم قصة ولا أسلوب لعب يليق بتاريخ السلسلة.

الإيجابيات مقابل السلبيات

الإيجابيات:
• بيئة صقلية الفريدة وأجواءها الغامرة.
• تصميم السيارات القديمة وصوتها.
• أداء صوتي ممتاز لشخصية Don Torrisi.
• رسوميات قوية وأجواء سينمائية.
• تجربة مركزة تحترم وقت اللاعب.

السلبيات:
• قصة مملة، متوقعة، ومكررة.
• شخصيات ضعيفة، وقصة حب بلا روح.
• أسلوب لعب بدائي، قتال سكاكين معيب، وتخفي سيئ.
• عالم مفتوح فارغ بلا محتوى.
• مشاكل تقنية متكررة.
• اللعبة لا تستحق سعرها الكامل، ولا تقدم محتوى إضافياً يشجع على إعادة لعبها.

الخلاصة

حين ألعب ألعاب المافيا والعصابات، كل ما أبتغيه هو رحلة تبدأ من جندي مغمور في زاوية عصابة صغيرة، ثم أصعد الدرج درجة بعد أخرى حتى أبلغ مقام العرّاب أو زعيم العائلة. أريد مهام تُبنى على مبدأ خدمة مقابل خدمة، شبكات من العلاقات التي تحكمها المنفعة، وقرارات مصيرية تعكس حقيقة ذلك العالم المظلم، كما رأينا في The Godfather أو The Sopranos.

لكن ما قدمته Mafia: The Old Country كان بعيداً كل البعد عن هذا الجوهر. دفعتني القصة إلى حكاية أشبه بمأساة روميو وجولييت، بينما كنت أتوقع ملحمة عن رجال العصابات وصراعاتهم. اللعبة لم تعش روح المافيا التي عُرفت بها السلسلة، ولم تلامس ما يميز هذا النوع من التجارب.

أنا لعبت Mafia: The Old Country وخرجت بانطباع سلبي أكثر منه إيجابي.

وأنت؟ هل سنحت لك الفرصة لتجربتها؟ هل شعرت أنها تُجسّد روح سلسلة Mafia حقاً، أم تراها خطوة إلى الوراء؟

شاركنا رأيك وتجربتك.

مشعل الحمادي
الكاتبمشعل الحمادي
مؤسس موقع بلاى سلاي