يستحيل تقريبًا استخدام الإنترنت دون ترك بصمة رقمية من نوع ما، ولكن من الشائع أن وضع التصفح المتخفي يمكن أن يوفر لك بعض الحماية من أعين المتطفلين، فهل هذا صحيح ؟ الإجابة نعم، ولا.
تحتوي متصفحات الإنترنت التي تستخدمها كل يوم على خيار يسمح بالتصفح بشكل خاص، وتختلف مسميات هذا الخيار من متصفح لآخر – على سبيل مثال، incognito هو اسم وضع التصفح المتخفي في جوجل كروم، ولكن يسمى InPrivate في متصفح مايكروسوفت إيدج، أما في “سفاري” يُدعى Private Browsing.
ايًا كان المسمى، الفكرة واحدة وهي إنشاء جلسة تصفح خاصة، حيث يمكن الحفاظ على سرية سجل البحث ونشاط التصفح، وغيرها من البيانات الأخرى. ولكن، بالرغم من ذلك، فهذا الوضع بعيدًا كل البعد عن توفير حماية موثوقة إذا كنت مهتمًا حقًا بالحفاظ على بياناتك آمنة على الإنترنت.
يقوم معظمنا بالعديد من الأنشطة على الإنترنت التي تحتاج إلى بعض السرية كإجراء التحويلات المصرفية عبر الإنترنت، وشراء الأغراض والسلع من مواقع التسوق، وبالتالي فإن تفاصيلنا الشخصية والمالية عرضة للكشف والاستغلال إذا وقعت في أيد غير أمينة.
إذن فالسؤال هو هل التصفح المتخفي وحده وسيلة فعّالة للتحوط ضد سرقة البيانات ؟ غالباً لا — تابع القراءة لمعرفة السبب.
ماذا يحدث عن استخدام التصفح المتخفي
في الوضع الطبيعي، عند تشغيل أي متصفح ويب، يتم تسجيل كل موقع ويب تزوره في سجل هذا المتصفح. كما يتم حفظ روابط المواقع التي تزورها بشكل متكرر، والملفات التي قمت بتنزيلها، وملفات تعريف الارتباط للبيانات التي تتتبع نشاطك على مواقع معينة، وما كتبته في محركات البحث، وأي تسجيلات دخول للحسابات أخترت حفظها.
قد يكون ذلك مناسبًا للغاية إذا افترضنا أن لا أحد يشاركك حاسوبك، حيث يوفر الجمع بين المعلومات المحفوظة تجربة تصفح أفضل بكثير. فمثلًا إذا كنت تزور صفحات معينة بشكل متكرر، سيقوم المتصفح تلقائيًا بملء رابط الموقع بمجرد كتابة او حرف أو حرفين في شريط العنوان.
إذا قرأت شيئًا مفيدًا ولكنك لا تتذكر المكان الذي رأيته فيه لاحقًا فإن نظرة سريعة على سجل المتصفح ستوجهك إلى المكان المراد. إذا كنت تستصعب تذكر كلمات المرور، يمكن لمتصفحك تذكرها، فمعظم المتصفحات مُدمج معاها مدير كلمات المرور “Password Manager”.
لكن أحيانًا ينتابك شعور أن شخص ما قد تكون لديه قابلية الوصول إلى الحاسوب أثناء غيابك، بمعنى أصح، يستخدم شخص آخر الكمبيوتر الخاص بك، وفي الغالب سيقوم بمطالعة سجل المتصفح ورؤية البصمة الرقمية الكاملة لك.
إذا كنت تستخدم الوضع الخفي للمتصفح، فستختفي جميع المعلومات التي ذكرتها أعلاه بمجرد إغلاق المتصفح. وبالتالي، لا يوجد ما يدعو للقلق بشأن تجسس أحدهم على نشاطك على الانترنت.
وقد ظهر وضع التصفح المتخفي لأول مرة في متصفح “سفاري” من آبل في عام 2005. ومن ثم، بدأت المتصفحات المنافسة مثل جوجل كروم وفايرفوكس بإضافته حتى أصبح اليوم عنصر أساسي في إنشاء أي متصفح. والغرض منه ببساطة هو توفير نوع من الخصوصية اثناء تصفح الانترنت.
يقوم وضع التصفح المتخفي بإنشاء جلسة تصفح منفصلة معزولة عن الجلسة الرئيسية (الوضع الطبيعي) وهو ما يؤدي لعدم تسجيل أي مواقع تزورها في السجل، وكذلك عدم حفظ ملفات تعريف الارتباط على الجهاز بشكل دائم، بل يمحو آثارها بعد إغلاق نافذة التصفح الخفي.
لا يمكن لعلامات التبويب المفتوحة في نافذة الوضع المتخفي الوصول إلى ملفات تعريف الارتباط للتبويبات المفتوحة في نافذة “الوضع الطبيعي”.
هذا يعني، إذا قمت بتسجيل الدخول إلى حساب فيسبوك، مثلًا، ثم دخلت وضع التصفح المتخفي، وانتقلت إلى موقع facebook.com فستظهر نافذة تسجيل الدخول مرة أخرى.
هذا الأمر يجعل من الصعب على مواقع الطرف الثالث تتبع نشاطك أثناء استخدام وضع التصفح الخفي. كما يتيح لك الوصول بسهولة إلى حسابات ويب متعددة في نفس الوقت.
حتى أنه يمكنك الالتفاف حول المواقع التي تمنحك الوصول لعدد محدود من صفحات الويب قبل مطالبتك بتسجيل الدخول أو الاشتراك.
على سبيل المثال، عند زيارة موقع صحيفة مدفوعة فيمكنك قراءة خبر أو اثنين حيث يتم عرض محتوى الخبر كاملًا، ولكن عند محاولة قراءة خبر ثالث، سيطالبك بالاشتراك لقراءة النص الكامل. بالدخول إلى نفس الموقع من خلال وضع التصفح الخفي، ستتمكن من قراءة هذا الخبر الثالث دون اعتراض!
وضع التصفح الخفي له استخدامات كثيرة عمومًا، لكن عندما يتعلق الأمر بإخفاء مساراتك الرقمية، فلا يمكن الاعتماد عليه حقًا.
وضع التصفح المتخفي لن يساعدك في كل الأحوال
عند فتح نافذة “التصفح الخفي” من أي متصفح، ستلاحظ أن علامات التبويب الجديدة تُظهر إشعارًا بأن وضع التصفح الخفي لا يقدم حماية شاملة، بل يوفر طبقة من الخصوصية للأشخاص الذين يعملون من شبكاتهم المنزلية الخاصة.
لن يؤدي وضع التصفُّح الخفي إلى منع مسؤولي الشبكات سواء في المنزل أو الشركة أو حتى المؤسسات التعليمية من معرفة علامات التبويب التي قمت بفتحها. كما أنه لا يمنع بالضرورة أي شخص من التجسس على نشاط التصفح الخاصة بك إذا كنت متصلًا بشبكة إنترنت عامة في مقهى أو مطعم.
بصورة أكثر وضوحًا، يركز وضع التصفح المتخفي على كيفية تخزين بيانات نشاط التصفح (مثل ملفات تعريف الارتباط) على الجهاز، وليس كيفية تنقلها عبر الشبكة.
ولكن حتى إذا كان الأمر كذلك، هناك طرق يمكن بها التغلب على وضع التصفح الخفي. فإذا كان الكمبيوتر مُصابًا بفيروس أو برنامج خبيث، يمكنها تتبع حركة مرور الشبكة وطلبات الـ DNS ومعرفة المواقع التي تزورها أيضًا. لذلك نُكرر مجددًا، لا يمكن الاعتماد على وضع التصفح المتخفي.
شيء آخر يستحق الإيضاح بهذا الشأن هو أن وضع “التصفح الخفي” لن يساعدك في التغلب على تقنية “البصمات” حيث تحاول أطراف ثالثة، مثل شركات الإعلانات، تحديد سمات الكمبيوتر الخاص بك لتتبع نشاطه عبر الشبكة.
تقنية “البصمات” تمثل طريقة فعّالة تستخدمها مواقع الويب لجمع معلومات حول نوع المتصفح وإصداره، بالإضافة إلى نظام التشغيل والمكونات الإضافية النشطة والمنطقة الزمنية واللغة ودقة الشاشة والعديد من الإعدادات النشطة الأخرى.
قد تبدو هذه البيانات عامة في البداية ولا تبدو بالضرورة مصممة لتحديد شخص معين. ولكن بجمعها معًا، فإنها تشكل جزءًا من الملف الشخصي شبه الفريد لجهازك، بحيث أن هناك فرصة ضئيلة جدًا لمستخدم آخر أن تكون لديه نفس البيانات مطابقة بنسبة 100%.
يُظهر البحث الذي أجرته مؤسسة Electronic Frontier Foundation أن متصفحًا واحدًا فقط من بين 286,777 متصفحًا سيشارك نفس السمات (البصمة) بالنسبة للمستخدم آخر. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى قدرتها على تحديد الأفراد بدقة مذهلة.
صحيح لن تقوم تقنية “البصمات” بالكشف عن هويتك واسمك أو عنوان منزلك بالضبط، ولكنها توفر بيانات ذات قيمة لا تصدق لأغراض الإعلان، حيث يمكن للشركات استخدامها لاستهداف مجموعات معينة من الأفراد. تم تشكيل هذه المجموعات من خلال مطابقة الأشخاص بناءً على بصمة المتصفح.
بشكل عام، تعد طرق التتبع وجمع البيانات ذات قيمة كبيرة لأنها تتيح للشركات الإعلانية إنشاء “ملف تعريف” بناءً على بياناتك. كلما زادت البيانات التي تمتلكها هذه الشركات، زادت دقة استهدافها للإعلانات، وهو ما يعني (بشكل غير مباشر) عائدًا أعلى للشركة. استخدام وضع “التصفح الخفي” لن يفعل أي شيء حيال ذلك.
حماية الخصوصية على الإنترنت – ضرب من الخيال!
كما أشرنا في أول سطر من المُقدمة: “يستحيل تقريبًا استخدام الإنترنت دون ترك بصمة رقمية من نوع ما” …
يشير مصطلح “خصوصية الإنترنت” إلى القدرة على التواصل والتصفح دون أن يتمكن طرف ثالث خارجي من مراقبة أنشطتنا. ولكن في وقتنا الحالي، هناك العديد من الأساليب لمعارضة ذلك لدرجة أن تصفح الانترنت بضمان عدم وجود أي نوع من الرقابة أصبح ضرب من الخيال.
ماذا عن مشغلو الشبكة، وشركة تزويد خدمة الإنترنت؟ ولا تنسى السلطات الحكومية. هناك أيضًا صناعة كاملة شُغلها الشاغل هو ابتكار تقنيات جديدة لجمع المعلومات بحيث تقدم إعلانات موجهة بدقة من خلال أنظمة تتبع معقدة، بما في ذلك نهج “البصمات” الذي ذكرناه سابقًا.
يمكن القول أن الانترنت أشبه بسجون “البانوبتيكون” حيث لا يوجد مفر ولا توجد طريقة للإفلات من المراقبة والتتبع ولو للحظة.
صحيح أن هناك وسائل تساعدك على التمتع بالخصوصية مثل VPN ولكنها لا تعتبر الحل السحري الذي يضمن حماية شاملة لبياناتك وانشطتك على الانترنت. إن أردت تحقيق ذلك، سيكون عليك أيضًا استثمار الوقت والمال والاستعداد للمعاناة من تجربة تصفح غير مثالية.
فإذا أردت الإفلات من معظم تقنيات التتبع التي تستخدمها المواقع، قم بتعطيل الـ JavaScript تمامًا من المتصفح نفسه. سيؤدي ذلك إلى حدوث أخطاء ومنع العديد من المواقع من العمل بشكل صحيح، ولكنه سيوقف أيضًا النصوص البرمجية المستخدمة للتبع.