في أواخر يناير الماضي، أفادت عدة تقارير صحفية أن شركة Avast المصنعة لبرنامج مكافحة الفيروسات الاشهر في العالم، تتجسس على أجهزة المستخدمين الذين يقدر عددهم بالملايين وتبيـع بـياناتهم إلى بـعض من الشركات الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت عبر شركة تابعة تدعى Jumpshot — والتي أعلنت فيما بعد أنها ستقوم بإغلاقها.
هذا الحدث بمثابة دليل على أن برامج مكافحة الـفيروسات المجانية ما هي إلا وسـائل تسـتخدمها الـشركات التقنية لالتهام البيانات الخاصة بالمستخدمين ومشاركتها أو بيعها دون علمهم بذلك، مما يشكل انتهاكًا صريحًا للخصوصية.
وعـلى أي حـال، مطوري هذه الـبرامج المجـانية عليهم أن يجـمعوا المال بطـريقة أو بأخرى؛ مـما يـدفعنا للتساؤل هل تحولت برامج مكافحة الفيروسات إلى أداة تجسس حقًا ؟ في هذا الموضوع نجمع كل التفاصيل اللازمة في محاولة لإيجاد الجواب الحقيقي لهذا السؤال.
كيف تمكنت أفاست من جمع وبيع بياناتك ؟
حسب ما جاء في التقارير التي نُشرت بشأن ذلك، فإن برنامج Avast يجمع بشكل افتراضي بيانات تصفح الإنترنت الخاصة بك ويقدمها لشركات اخرى من خلال شركة Jumpshot التي أنشأتها أفاست في 2015.
وتحصل هذه الشركات على بيانات أخرى شديدة الحساسية، والتي يمكن أن تساعد على معرفة الكثير عنك، فمن ضمنها عمليات البحث التي يقوم بها المستخدم، وكل موقع يقوم بزيارته والوقت الذي يستغرقه في التصفح بالميلي ثانية. هذا بالإضافة إلى بيانات حول مقاطع الفيديو التي يشاهدها على منصة يوتيوب.
وعلى الرغم من أن البيانات التي يتم جمعها مجردة من معلومات التعريف الشخصية، بما في ذلك اسم المستخدم، أو البريد الإلكتروني أو عنوان الـ IP التابع للجهاز، أو تفاصيل الاتصال. إلا أن كل سجل يتم تمييزه عن الآخر بشيء يسمى “device ID”، والذي يبقى في قاعدة البيانات ما لم يقم المُستخدم بإزالة تثبيت برنامج Avast نهائيًا.
وبينما تزعم شركة Avast أن هذه البيانات “مجهولة المصدر”، أوضح الخبراء أن الكشف عن هوية صاحب تلك البيانات أمرًا ممكنًا. عبر مطالعة الشركات على هذه السجلات المفصلة بالإضافة لمجموعات البيانات المرتبطة بها، يسهل تحديد الفرد “المجهول الهوية” ورؤية كل البيانات الخاصة به.
على سبيل المثال، إذا تم معرفة أي مستخدم اشترى منتجًا معينًا من امازون في ثانية معينة في تاريخ محدد، فيمكن كشف هوية هذا المستخدم (المجهول) ومن ثم الاطلاع على سجل التصفح الخاص به.
إذن، في حال كان لديك برنامج Avast مثبتًا بالإعدادات الإفتراضية، فسيتم بيع بيانات تصفحك إلى الشركات بواسطة Jumpshot. مـع العـلم أن هذه البـيانات لا يتم جـمعها عـبر إضـافة Avast للمـتصفحات (Avast Online Security) وإنما من خلال برنامج Avast Antivirus لسطح المكتب.
عندما تقوم بتثبيت برنامج Avast، سيتم سؤالك عما إذا كنت ترغب في مشاركة بعض البيانات مع الشركة أم لا. ربما لم يـدرك معظـم الأشـخاص الـذين نـقروا على خـيار “أنا أوفـق” أو “I AGREE” كل شـيء وافقوا عليه، أو البيانات التي تتم مشاركتها تحديدًا.
ومع ذلك، يستطيع المستخدمون إلغاء الاشتراك في مشاركة البيانات مع Jumpshot في أي وقت عبر التوجه إلى قائمـة الخـيارات ثم إلى Settings وفي قـسم General يتم تحديد Personal Privacy للتحـكم في البـيانات التي يتم جمعها ومشاركتها، فيمكنك تعطيل خيارات مشاركة البيانات من هنا.
هل إضافات المتصفح تساهم في هذه العمليات ؟
تقدم معظم برامج مكافحة الفيروسات إضافة يمكن تثبيتها على متصفحات الإنترنت لتعزيز الحماية أثناء التنقل بين المواقع وتحميل الملفات، كما يزعم المطورين. لكن في الواقع، هذه الإضافات الغرض منها جمع بيانات مفصلة لأغراض تسويقية.
في شهر أكتوبر 2019، أبلغ فلاديمير بالانت، مطور إضافة Adblock Plus عن الطريقة المستخدمة من قبل شركة أفاست لجمع بيانات تصفح المستخدمين من خلال إضافة Avast Online Security وأيضًا إضافة AVG Secure Browser – هذا ليس مفاجئًا، حيث استحوذت Avast على AVG قبل بضع سنوات.
نتيجة لذلك، قامت كل من شركة جوجل وموزيلا بحذف كل الإضافات التابعة لـ Avast و AVG من متجر الإضافات Chrome Web Store و Mozilla Addons. ولكن بما ان هذه الاضافات كانت تُستخدم من قبل ملايين من المستخدمين، اضطرت أفاست إلى إجراء بعض التغييرات عليها حتى تعود إلى المتاجر مرة أخرى.
وبينما يمكن لشركة Google أو Mozilla اتخاذ إجراءات صارمة لمنع استمرارية إضافات مكافحة الفيروسات من التجسس على المستخدمين، لا أحد يستطيع أن يمنع شركة مثل Avast من جمع البيانات عبر برنامج سطح المكتب. هذا أحد الأسباب وراء تورط Avast في جمع البيانات بالجملة من خلال البرنامج وليس إضافة المتصفح.
إذن، حتى لو تجنبت تثبيت إضافات المتصفح التابعة لشركات مكافحة الفيروسات، لا مفر من مشاكل الخصوصية طالما أن برنامج مكافحة الفيروسات نفسه ما زال يعمل على حاسوبك.
برامج مكافحة الفيروسات المجانية.. ليست مجانية إلا بالاسم
برامج مكافحة الفيروسات المجانية يجب أن تحقق أرباحًا بطريقة أو بأخرى، لذلك فليس من المستغرب أن شركة مثل أفاست تقوم بإستغلال بيانات المستخدمين وبيعها وجني مكاسب مالية منها.
وجدير بالذكر أن شركة Avast قامت في الماضي بدمج ميزة “Shopping” مع برنامجها، والتي تضيف إعلانات ترويجية إجبارية على صفحات الويب أثناء تصفح الانترنت. بعد شكوى المستخدمين، توقفت أفاست عن فعل ذلك وقامت بحذف هذه الميزة، لكن عامة فكرة جمع البيانات تبدو وأنها صفة في الشخصية الاعتبارية للشركة.
لم تعد برامج مكافحة الفيروسات المجانية “مجانية” الا بالاسم، فقد شهد المستخدمون على مدار السنوات الماضية قيام هذه البرامج بتغيير محرك البحث الافتراضي للمتصفح أو تغيير الصفحة الرئيسية، وذلك كجزء من تعاون الشركة المطورة مع شركة أخرى. حتى وصل بهم الحال إلى تثبيت برامج إضافية (Adware) على أجهزة المستخدمين.
اليوم، من المحتمل أن تقوم العديد من برامج مكافحة الفيروسات الأخرى بتتبع نشاط التصفح الخاص بك، ومن المفترض أن تبيع تلك البيانات وتحقيق الدخل منها.
هل هناك برامج مكافحة الفيروسات موثوق بها ؟
لا يعني ما سبق أن كل برامج مكافحة الفيروسات تتجسس عليك بالضرورة. بعد كل شيء، فإننا لم نقم بفحص جميع البرامج الموجودة على الساحة.
هناك بعض الشركات التي توفر نسخة تجريبية مجانية من برنامجها لمكافحة الفيروسات، هذه النسخة لا تجمع وتبيع البيانات مثل الإصدارات المجانية تمامًا، بل أن الغرض منها هو محاولة تسويق النسخة المدفوعة للبرنامج من خلال إتاحة بعض مميزاتها بشكل مجاني.
يعُد برنامج Windows Security من مايكروسوفت، والمدمج مع نظام ويندوز، حلاً مجانياً فعالاً . فإنه لا يتتبع نشاط تصفح الويب الخاص بك. ولا يحاول أن يزعجك بتثبيت برامج إضافية على الكمبيوتر أو عرض إعلانات ترويجية، على الرغم من أن مايكروسوفت تقدم إصداراً أكثر تقدمًا للشركات.
لذا إن كنت تستخدم نظام ويندوز 10 وتتبع إجراءات أمنية وتتوخى الحذر أثناء تصفحك للإنترنت، فعلى الأغلب لن تحتاج إلى برامج خارجية.