في عصرنا الحالي، عصر وسائل الإتصالات السريعة والإنترنت، من السهل الحصول على أي شئ نحتاجه في أي وقت نريده، مثل مسلسل أو فيلم أو لعبة، حتى لو مر عليها عدّة عقود من الزمن. لكن السؤال هنا هو: هل ستظل هذه الأشياء التي كانت مشهورة في الماضي بنفس قيمتها وتأثيرها الآن؟
عندما نعيش في عصر تتطوّر فيه التكنولوجيا وطرق الرسم والتصميم بسرعة غير مسبوقة .. الكثير من الأشياء تُمحى وتزول مع الزمن بعد إصدار الجديد منها، لا يوجد سبب لكي تعود وتشاهد هذا الفيلم القديم أو تلعب هذه اللعبة الرديئة مجددًا، عندما يكون في إمكانك الاستمتاع بالنسخ الأحدث والأكثر تطورًا.
لكن هل يعني هذا أن ننسى الماضي بكل حذافيره، ونتجاهل مشاعر جميع الرسّامين والمطورّين الذين عملوا بجهد لكي نعيش في هذا العالم الجديد المتطوّر والسهل؟
هذا هو الموضوع الرئيسي للعبة Bendy and the Ink Machine، وهذه مراجعتها
قصة Bendy and the Ink Machine هى مزيج من الغموض والإسقاطات الواقعية
تضعك اللعبة في مكان البطل Henry، الذي يبدو أنه كان أحد المصممين الرئيسيين في ستوديو تصميم مسلسلات كرتونية قديمة باسم Joey Drew Studios، والذي يدعوه أحد الأصدقاء، وهو رئيس الإستوديو Joey Drew، لمشاهدة شئ هام داخل الإستوديو الذي يبدو أنه قد تركه جميع العاملين منذ فترة طويلة، ويبدو عليه أنه خالٍ تمامًا من أي حياة.
ومن هذا المنطلق، تبدأ اللعبة في العمل كأي لعبة رعب أخرى، عن طريق مزج الأصوات المخيفة مع الوحوش التي تجري ورائك في أنحاء اللعبة، ولا يمكنك عمل الكثير سوى التقدّم واكتشاف حقيقة المكان شيئًا فشيئًا مع مرور الوقت.
الأسرار الخفية للاستوديو تعرضها اللعبة في صورة تسجيلات صوتية، يمكن العثور عليها على مدار اللعبة، وهذه التسجيلات تشرح الحياة القاسية التي عاشها بعض العاملين في الاستوديو، والحزن الذي كان يدور بداخلهم أثناء فترة عملهم. هذه التسجيلات أيضًا كانت مهمة لشرح بعض تفاصيل اللعب، وإعطاء تفسير للأشياء التي تقوم بها داخل كل مرحلة، والمخاطر التي سوف تواجهها.
تستعمل اللعبة أيضًا، كما هو واضح من الصور، رسومات كرتونية قديمة تدل على طبيعة المسلسلات التي كان يعمل عليها الاستوديو، واللون البني الداكن الذي يغلب على اللعبة بأكملها، حتّى المشهد الأخير في اللعبة.
في البداية، لم أعتقد أنني سأعجب كثيرًا بهذه اللعبة، أو بمعنى أصح، أن هذه اللعبة ليست مناسبة لكل الأشخاص، وذلك بسبب طريقة الرسومات المستعملة فيها، والتي تعبّر عن تراث قديم لم يعيشه الكثير من شباب الجيل الحالي، لكن سريعًا ما اكتشفت أنني كنت مخطئًا بشأن ذلك.
اللعبة تقوم بعمل رائع في جعلك تستكشف هذا العالم الغريب شيئًا فشيئًا، وتعتاد على هذه الرسومات الجميلة والمرعبة في نفس الوقت، وتتعاطف مع شخصيات اللعبة، وتاريخ الإستوديو الخيالي الذي سوف تعرفه مع مرور الوقت، بطرق مختلفة ومبتكرة، مثل مشاهدة فيديوهات كرتونية للمسلسلات القديمة التي كانوا يعملون عليها، وقراءة الرسائل والمذكرات، وسماع التسجيلات، وغيرها من الأمور التي لا أريد حرقها على القارئ، لكنني في هذه اللعبة خصيصًا استمتعت بها كثيرًا.
هذه الأدوات التي تعمل على إيصال المعلومات إلى اللاعب، كانت موجودة دائمًا بالمقدار المناسب وفي الأماكن المناسبة، لكي تعطي كل مشهد في اللعبة الطابع العاطفي اللازم لجعله تجربة لا تنسى بسهولة، وبصراحة شعرت أنني قد فتحت بوابة إلى الزمن القديم، أو صندوق باندورا الملئ بالأسرار المخيفة، كل هذا تستطيع اللعبة إيصاله منذ اللحظة الأولى وحتى مشهد النهاية.
اللعبة ليست ممتعة كثيرًا … لكن التفاصيل سوف تتركك مذهولًأ
لأكون صريحًا، نظام اللعب ليس ممتعًا كثيرًا، ووجدته مملًا في الفصول الأولى من اللعبة، لا يوجد الكثير لتفعله غير مهمات إحضار الأشياء، أو قتل بعض الوحوش، حتى منتصف الفصل الثالث، الموضوع أصبح مكررًا بصورة مملة، ولم يكن هناك دافعًا حقيقيًا لكي أقوم بإكمال اللعبة غير الفضول الشخصي.
لكن بعد منتصف الفصل الثالث، وحتى نهاية اللعبة، الأمور تصبح أكثر إثارة، والمهمات أصبحت متنوعة ومختلفة، والقتالات أيضًا في اللعبة أصبحت مثيرة وتعتمد على سرعة البديهة والتفكير.
نظام اللعب ليس الدافع الرئيسي الذي سوف استعمله لكي أنصح أحد بلعب هذه اللعبة، لكن هناك بعض العناصر الأخرى التي سوف أتكلم عنها، والتي جعلت من هذه اللعبة تجربة يجب أن لا يفوتها أي لاعب.
النقطة الأولى التي أعجبتني في اللعبة هى النهاية، والتي لن أتكلم عنها بالطبع، لكن سوف أكتفي بقول أن نهاية اللعبة تستحق العمل من أجلها، هذه النهاية هى من أنواع النهايات الغامضة، التي سوف تجعلك تشك في طريقة حكمك على الأشياء وإتخاذك للقرارات.
الموضوع أقرب للأفلام النفسية مثل Enemy أو The Double… مشاهدون هذه الأفلام سوف يعرفون ماذا أقصد، ولماذا قررت وضع هذه اللعبة في نفس مستوى هذه الأفلام التي صنعت أساطير في تاريخ السينما.
النهاية سوف تتركك راغبًا في المزيد، وسوف تبحث بعض الوقت على الإنترنت عن تفسيرات لما شاهدته، وللحيرة التي سوف تصيبك، وربما سوف تحتاج إلى لعب اللعبة مرة أخرى لكي تحصل على إجابة على جميع أسئلتك، وبصراحة، هناك تفصيلة مهمة في نهاية اللعبة تناشد اللاعبين فعلًا أن يقوموا بلعب اللعبة مرة أخرى لرؤية جميع التفاصيل التي قاموا بتفويتها في مرة اللعب الأولى.
وهذه هى النقطة الثانية التي أحببتها، أن هناك دافعًا لكي أعود وألعب اللعبة مرة أخرى، حتى لو كانت مرة واحدة، لكن هذه المرة سوف أشاهد اللعبة بصورة مختلفة تمامًا عن السابق، أعتقد أن هذه كانت لمسة إبداعية فريدة من مطوري اللعبة.
نقطة أخرى أحببتها هو أنه يبدو أن هناك الكثير من الحب ذهب في تكريم اللاعبين الذين قاموا بدعم هذه اللعبة، ومؤديين الأصوات، وحتّى طاقم العمل الذي عمل على اللعبة، خاصًة في مشاهد ما بعد الانتهاء من اللعبة.
أحببت أنني أستطيع رؤية التفاصيل والروح الجميلة التي عملت على تطوير اللعبة في كل مكان، وحتى الأستوديو الخيالي الذي تعرضه اللعبة، أحسست أنه استوديو حقيقي ينبض بالحياة.
حتى أن المقاطع الدعائية للعبة، مصنوعة بنفس طريقة المسلسلات الكرتونية القديمة، التي تعتمد عليها الطريقة الرسومية للعبة، لذلك يمكنك الحصول على التجربة الكاملة، بدون أن تحتاج إلى أن تكون قد عشت في هذه الفترة الزمنية القديمة.
اللعبة ليست مرعبة بالدرجة الكافية … ومليئة بالمشاكل التقنية
اللعبة تحاول أن تعمل كلعبة رعب بصورة أساسية، لكنها في نظري لا تقوم بدور جيد في ذلك، هناك لحظات مصحوبة بالموسيقى الصاخبة التي تلقي الرعب في قلوب اللاعبين، وتجعلهم يشعرون بالخطر، لكنها ليست كثيرة أو قوية بالدرجة الكافية لكي أنتفض من مكاني وأنا ألعب.
هذا أيضًا يعود إلى إمكانية العودة من النقطة التي مت فيها في أي وقت، مما يعطي الموت في هذه اللعبة قيمة ضئيلة للغاية، وفي أحيان كثيرة كنت أموت بدون أي إهتمام بالحفاظ على حياتي من مخاطر اللعبة.
ورغم أن اللعبة تقوم بدور جيد في جعلك تعود إلى مكان موتك، لكن تقوم بعمل سئ للغاية في حفظ تقدمك في اللعبة، في أحيان كثيرة كنت أخرج من اللعبة وأعود مرة أخرى، لأجد خانة تقدمي في اللعبة قد اختفت تمامًا، وأو أنني قد عدت من أول الفصل الذي ألعب فيه، وليس من منتصف اللعبة كما تصورت.
في كثير من الأوقات تطلب منك اللعبة أيضًا تجميع الأشياء المهمة لإكمال القصة، لكن في العديد من الأحيان لم استطع إكمال هذه المهمات بسبب المشاكل التقنية، وكان علىّ الخروج من اللعبة والعودة مرة أخرى، لأستطيع تجميع المتعلقات المهمة التي كانت مختفية تمامًا قبل إغلاق اللعبة، هذا الأمر أخذ مني الكثير من الوقت حتى اكتشفه وأزعجني كثيرًا.
نظام القتال أيضًا ليس جذابًُا، بصراحة نظام القتال هو المتوقع من هذه النوعية من الألعاب مثل Outlast و Layers Of Fear وغيرها … لا يوجد مساحة للتفكير أو اختيار الأسلحة المناسبة لكل موقف، كل شئ موجود أمامك ويحدث أوتوماتيكيًا. وأيضًا الألغاز ليست ممتعة بالدرجة الكافية لجعلي أهتم، معظمها عبارة عن نقل أشياء من مكان إلى آخر، بدون أي إضافة أخرى تجعل من الأمر ممتعًا مع مرور الوقت.
كلمة أخيرة
لعبة Bendy and the Ink Machine هى لعبة رعب نفسي، لكنها في الحقيقة لعبة إثارة تحتوى على قصة عميقة ونظام لعب متوسط.
Bendy ليست اللعبة الأكثر إمتاعًا بين الألعاب الموجودة حاليًا، لكنها بالتأكيد تجربة قصصية لا يمكن تفويتها لأي لاعب يبحث عن قصة مثيرة للإهتمام ومليئة بالعواطف.
القصة القوية تندمج أيضًا مع الطريقة الرسومية المميزة للعبة، والشبيهة بلعبة Cuphead في صورة فنية رائعة .. جعلتني أثق بأن ألعاب الفيديو ليست مجرد وسائل للاستمتاع .. بل هي نوع من أنواع الفن الذي يمكنه إبهار مختلف أنواع الناس، وعلى مستويات عقلية وعاطفية مختلفة.
اجمالي التقييمات
الإيجابيات
- رسومات مختلفة ومتميزة
- قصة مثيرة تترك مساحة للتفكير والتحليل
السلبيات
- العديد من المشاكل التقنية
- نظام اللعب ممل ومتكرر
الملخص
7.4Bendy and the Ink Machine هى مثال رائع على أن الألعاب أصبحت أعمالًا فنية مؤثرة، كما أن قصة اللعبة تترك أثرًا عميقًا في نفوس اللاعبين لا يمكن نسيانه بسهولة، وهى من إحدي الألعاب التي أعتبرها من الكلاسيكيات التي لا يمكن تفويتها لأي سبب من الأسباب.