أكبر من أن تسقط .. أين هي هذه البنوك اليوم؟

أكبر من أن تسقط

عند حديثنا عن دروس الأزمة المالية العالمية في موضوع سابق، ذكرنا عبارة “أكبر من أن تسقط” أو “Too Big to Fail” التي سمعناها كثيرا والتي تُقصد بها البنوك والمؤسسات المالية التي تم اعتبارها مهمة للغاية لدرجة أنه من المستحيل تركها تُفلس وبالتالي تم إنقاذها بمليارات الدولارات من دافعي الضرائب في أمريكا.

يوم 15 سبتمبر من سنة 2008، شهد العالم إعلان أحد أقوى وأعرق البنوك الاستثمارية في العالم، Lehman Brothers، عن إفلاسها بعد أن رفضت إدارة جورج بوش، ممثلة في وزير الخزانة Hank Paulson، إنقاذهم.

سقوط Lehman Brothers، ورغم أنه كان مسبوقا بتحركات كبيرة في السوق، كان في نظر البعض البداية الحقيقية للأزمة.

استجابة البورصة لهذا السقوط -انخفاض مؤشر Dow Jones Industrial Average بـ 4.5% و مؤشر Nasdaq بـ 3.5%- جعل الحكومة الأمريكية تغير موقفها من إنقاذ الأبناك وبدأت في برنامج لضخ 700 مليار دولار من أجل محاولة إنقاذ النظام المالي.

الشركات التي اعتبرت أكبر من أن تسقط تم إنقاذها ومنحت مليارات الدولارات مقابل أسهمها، تسهيل القروض للبنك المركزي وعدد من الصلاحيات الأخرى…

اليوم، في نوفمبر 2018، نصحبكم في هذا الموضوع لنعرف مصير هذه المؤسسات التي تم إنقاذها وما آلت إليه أمورها بعد عشرة سنوات من الأزمة.

Bear Stearns .. البدايات

في الحقيقة، التفكير في أن بعض المؤسسات قد تكون أكبر من أن تسقط بدأ قبل سقوط Lehman Brothers ببضعة أشهر.

صفقة Bear Stearns مع الحكومة الأمريكية كانت في البداية تهدف إلى إنقاذ الموقف قبل الأزمة بعد أن ظهرت أولى علاماتها.

في مارس 2008، البنك المركزي الأمريكي وافق على منح قرض بقيمة 30 مليار دولار لـ JPMorgan Chase لتتمكن من الاستحواذ على Bear Stearns.

أكبر من أن تسقط

JPMorgan قامت بذلك بالفعل بعد أن دفعت 10 دولار فقط للسهم الواحد من Bear Stearns.

المشكلة أن نتائج الصفقة كانت معاكسة… فعوض طمأنة السوق، زادت المخاوف!

سنة 2015، أي بعد 7 سنوات من الصفقة، الرئيس التنفيذي لـ JPMorgan Chase، السيد Jamie Dimon، قال أنه يندم على قرار الاستحواذ على Bear Stearns رغم الثمن المنخفض. ففي رسالة لأصحاب الأسهم، وضح Dimon أن الخسائر التي تكبدها البنك وصلت إلى مليارات الدولارات.

Jamie Dimon أضاف قائلاً:

لن نقوم بشيء مشابه لصفقة Bear Stearns أبداً!

اليوم، JPMorgan ليست في وضعية سيئة في الحقيقة. أرباحها من الربع المالي الثاني لسنة 2018 وصلت إلى 5.4 مليار دولار وهو ما يمثل ارتفاعا بقيمة 13% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.

AIG .. عملية الإنقاذ الأكبر في التاريخ

بعد سقوط Lehman Brothers، أصبح واضحا للحكومة الأمريكية أن AIG، اختصارا لـ American International Group، ستسقط أيضا بسبب استثماراتها الضخمة في ما يعرف بالـ Credit Default Swaps.

سقوط AIG كان من الممكن أن يجر معه النظام المالي، والاقتصادي، بالكامل بسبب علاقتها الوطيدة بمختلف القطاعات.

أكبر من أن تسقط

الإنقاذ تم عن طريق ضخ 180 مليار دولار مقابل استحواذ الحكومة على 80 في المائة من الشركة. هذا الاستحواذ جعل الحكومة تسترجع أموالها بحلول سنة 2012 مع ربح صافي يحسب لدافعي الضرائب.

اليوم، بعد سنوات من الربح، AIG تعاني من جديد.

خلال 2018، الشركة أعلنت أن قطاع التأمين الخاص بها انخفض بـ 46% مقارنة بالسنة السابقة وأن الإيرادات من علاوات التأمين التي وصلت أرباحها إلى 149 مليون دولار أصبحت خاسرة لـ 89 مليون دولار.

الشركة الآن تحاول إنقاذ الأمور من خلال تغيير المدراء والرئيس التنفيذي يعد بأن الخسائر ستتحول إلى أرباح مع نهاية السنة.

Morgan Stanley و Goldman Sachs .. من بنوك استثمارية إلى بنوك استثمارية وتجارية

الإنقاذات الحكومية لم تكن مقابل الأسهم فقط، بل كانت تهدف إلى تغيير واجهة البنوك بشكل جذري.

قبل 2008، Morgan Stanley و Goldman Sachs لم يكن بإمكانها العمل في قطاع البنوك التجارية وبالتالي لم يكن بإمكانها الاستفادة مما تستفيد منه هذه البنوك.

سنة 2008، فرض البنك المركزي على هذين البنكين أن يتحولا إلى بنوك تجارية ليكونا قادرين على الاقتراض من عموم الأشخاص ومن البنك المركزي بنسب فائدة منخفضة وهو ما جعلهما يقترضان مليارات الدولارات من أجل ضمان الاستقرار.

أكبر من أن تسقط

اليوم، Morgan Stanley تقدم مجموعة من الخدمات التي تشمل خدمات البنوك الاستثمارية والبنوك التجارية.

في يوليو 2018، ارتفعت أرباح الشركة بـ 39% مقارنة بالسنة السابقة وتجاوزت قيمة أصولها 200 مليار دولار أما قيمة الأرباح فتجاوزت 10 مليار دولار لربعين متتالين وهو ما لم يحدث منذ 2007.

أكبر من أن تسقط

بالنسبة لـ Goldman Sachs، الأمور ليست بنفس الروعة.

رغم ارتفاع بـ 40% في الأرباح خلال الربع الثاني من 2018 (2.57 مليار دولار)، أسهم الشركة انخفضت بـ 13% في نفس الفترة.

السبب وراء هذا هو أن البنك لا زال يعتمد بشكل أكبر على العمليات الاستثمارية عوض التجارية وهو ما جعله يحافظ على صورته كبنك استثماري بالدرجة الأولى.

Bank of America .. مليارات الدولارات للاستحواذ على مؤسسات في طريق السقوط

في الحقيقة، Bank of America لم تكن قريبة من السقوط. رغم ذلك الحكومة منحتها حوالي 100 مليار دولار كضمانات من أجل شراء مؤسسات أخرى قريبة من السقوط كـ Countrywide Financial و Merrill Lynch.

Bank of America كان عليها تكبد بعض الخسائر خصوصا تلك المتعلقة بالدعاوى القضائية ضد Countrywide Financial التي كانت تقوم بممارسات مشكوك فيها.

أكبر من أن تسقط

رغم هذه الخسائر، البنك يعرف نجاحا كبيرا اليوم وهو ثاني أكبر بنك في الولايات المتحدة.

أرباح Bank of America وصلت إلى 6.8 مليار دولار أما الإيرادات فتجاوزت 22.6 مليار بفضل نشاطها الكبير وبفضل تقنيات تخفيض التكاليف التي جعلت قيمة الضريبة التي تدفعها تنخفض من 3 إلى 1.7 مليار دولار.

أخيراً، البنك يتوقع أن يستمر النمو بفضل 500 مليون دولار سيتم ضخها في تطوير تقنيات الاستثمار.

ختاما..

بعد عشر سنوات، التدابير التي قامت بها الحكومة كانت ضرورية في أعين البعض في حين يرى البعض الآخر أن أموال دافعي الضرائب ضخت في جيوب البنوك والأغنياء لتُترك الطبقة المتوسطة والفقيرة في مواجهة الأزمة الحقيقية.

قيمة صفقات الإنقاذ هذه وصفقات عديدة أخرى، وإن بدأت ببرنامج بـ 700 مليار دولار، وصلت، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى 12.8 تريليون دولار.

بعد الأزمة، تعريف البنوك “الأكبر من أن تسقط” كان هو كل بنك تجاوزت قيمة أصوله 50 مليار دولار وقد تم وضع قوانين خاصة بهذه المؤسسات.

اليوم، المبلغ ارتفع ليصل إلى 250 مليار دولار ليصبح عدد البنوك المعنية هو 13 بعد أن كان 44.

Zarhouni
الكاتبZarhouni
مهتمّ بكلّ ما له علاقة بالتقنية والأعمال، أدرس الإدارة المالية وأسعى لتوفير محتوى عربي ذو مصداقية وجودة عالية.