بعد عشر سنوات .. دروس نتعلمها من الأزمة المالية العالمية

الأزمة المالية

قبل 10 سنوات بالضبط، كان العالم في عز الأزمة المالية التي كانت سببا في ركود اقتصادي هو الأسوء منذ الكساد العظيم في سنوات 1930.

مخلفات الأزمة المالية كانت عبارة عن آلاف القوانين الجديدة والأجهزة الحكومية ذات المهام المعقدة والمختلفة بالإضافة إلى آلاف الكتب والمقالات التي يمكنها أن تملأ مكتبة بأكملها.

مرور عشرة سنوات على هذه الأزمة لا يعني أنه يجب الاحتفال ونسيان الأمر، وهو ما يحدث عادة… فرغم الانتعاش الاقتصادي الحالي، هناك دروس يجب تعلمها من الأزمة، فكما قال الكاتب، الشاعر، والفيلسوف الإسباني جورج سانتايانا:

أولئك الذين لا يتعلمون من أخطاء التاريخ يُحكم عليهم بتكرارها.

في البداية، هناك إحصائيات مهمة يجب تذكرها عن الأزمة المالية وهي متعلقة بالسوق الأمريكية:

  • 8.8 مليون هو عدد الوظائف المفقودة.
  • نسبة البطالة وصلت إلى 10% خلال شهر أكتوبر من 2009.
  • 8 ملايين منزل تم نزع الملكية من أصحابها وعرضها للبيع.
  • أثمنة المنازل انخفضت بـ 40%.
  • مؤشر S&P 500 انخفض بـ 38.5% سنة 2008.
  • 7.4 ترليون دولار تبخرت من سوق الأسهم بين 2008 و 2009، بمعدل 66 ألف دولار للعائلة الواحدة.
  • حسابات الادخار والتقاعد التي يمولها أرباب العمل انخفضت بـ 27% سنة 2008.
  • الجنح المتعلقة بفائدة الرهون العقارية المتبدلة “Adjustable Rate Mortgages” وصلت إلى 30% سنة 2010.

هذه الأرقام تظهر التأثير العميق للأزمة على الاقتصاد الأمريكي الذي عانى بشكل كبير.

المشكلة أن معظم الأشخاص يظنون أنهم تعلموا الدروس اللازمة وأن الاقتصاد أصبح أقوى وأكثر صلابة.

للأسف، هذه الاعتبارات قد تكون خداعة خصوصا وأن العديد من الأشخاص لازالوا يعيشون تبعيات الأزمة، سواء في قلوبهم أو في جيوبهم واستثماراتهم.

لهذا السبب، من الضروري ألاّ ننسى ما قاد العالم إلى هذه الأزمة وأن نتعلم الدروس اللازمة.

الدروس متعددة وقد تبدو قديمة… إلاّ أنها ذات قيمة لمن يريد التعلم من التاريخ.

أكبر من أن تسقط … Too Big to Fail

عبارة سمعها أي مهتم بالاقتصاد ويقصد بها أن بعض المؤسسات المالية أصبحت كبيرة جدا لدرجة أنه من غير الممكن أن تسقط. ليس بسبب حسن إدارتها بل لأن الحكومة ستنقذها مهما كان الثمن.

تصديق الناس في مختلف المناصب لهذه المقولة هو ما جعل السياسيين وصناع القرار قادرين على صرف مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب لإنقاذ الأبناك التي يتقاضى مدراؤها عشرات أو مئات ملايين الدولارات سنويا.

الأزمة المالية

حسب هؤلاء، إنقاذ هذه الأبناك كان ضروريا لتجنب الوقوع في أزمة أكبر.

بعد ذلك، تم إصدار بعض القوانين (Dodd-Frank Wall Street Reform and Consumer Protection Act مثلا) التي تهدف إلى تشديد الرقابة على الأبناك ومنعها من المخاطرة بنقود زبنائها.

قانون Dodd-Frank قام أيضا بإحداث نظام جديد بتكلفة 50 مليار دولار من أجل تقييم الأبناك بشكل دائم وتجربة ردة فعلهم في سيناريو الأزمات… هذا النظام هو ما يعرف بـ Stress test.

هذه القوانين لم ترق للأبناك بمختلف أحجامها لأنها، في نظرهم، تجعل عملهم أصعب وتمنعهم من خدمة زبنائهم بطريقة مناسبة.

الرئيس دونالد ترامب كان قد وعد بإحداث تغييرات على القانون لجعله أقل تعقيدا وتقليل العراقيل التي يضعها أمام الأبناك وهو ما قام به بالفعل خلال شهر مايو الماضي.

أخيراً، النظام البنكي الأمريكي الحالي أقوى وأكثر متانة مما كان عليه قبل سنة. حينها كانت الأبناك تعتمد على الديون بشكل كبير وكان الاعتماد على مشتري المنازل غير الموثوقين منتشراً. اليوم، الأبناك لا تعتمد على الديون بنفس الشكل كما أنها أقل تعقيداً.

التحدي الجديد الذي تواجهه الأبناك اليوم يتعلق بشكل أكبر بالمضاربة وطريقة العمل إلاّ أن عواقب هذه التحديات ليست بمستوى ما حدث سنة 2008. رغم ذلك، أسهم الأبناك لا زالت أقل مما كانت عليه قبل الأزمة وبالتالي لازال أمامها طريق طويل لإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه.

تقليل الخطر في وول ستريت

بجانب مشكلة ”أكبر من أن تسقط“، الأبناك الأمريكية كانت تخاطر بشكل كبير بالأموال التي لديها، وليس نيابة عن زبائنها، كما أن مصالحها في بعض الأحيان كانت تتعارض مع مصالح زبائنها (وهو أمر خطير للغاية!).

الخسائر التي تسببت فيها هذه المخاطرات بالنسبة للأبناك وللزبائن بالإضافة إلى الدعاوى القضائية التي رفعت ضدها جعلت سمعة هذه المؤسسات وثقة الزبائن فيها تتراجع بشكل كبير.

قاعدة Volcker التي تمت تسميتها نسبة إلى Paul Volcker، مدير سابق للبنك المركزي الأمريكي، كانت تهدف إلى تقليل المخاطرات التي يمكن للأبناك القيام بها بالأموال التي لديها والتي يمكن أن تجعل مصالحها تتضارب مع مصالح زبائنها.

هذا القانون بدأ تطبيقه سنة 2014، بعد 5 سنوات من الأزمة وبعد أن كانت معظم الأبناك التي تقوم بهذه الممارسات قد اختفت.

بعد ذلك، استمر القانون لأربع سنوات فقط قبل أن يتم إلغاؤه بداعي كونه معقدا وغير فعال.

حاليا، الأبناك أصبحت تأخذ مخاطرات أقل من خلال خفض نسبة الديون مقارنة بالرساميل وتجنب الرهون العقارية المشكوك فيها. رغم ذلك، يرى Neel Kashkari، مدير أحد فروع البنك المركزي الأمريكي، أن قطاع الأبناك لازال يحتاج إلى قوانين تنظيمية أكثر لتقليل الخطر رغم أن الإدارة الحالية تحارب مثل هذه التنظيمات.

الاقتراض المفرط

المسبب الرئيسي للأزمة المالية كان غليان سوق العقار المبني على مقترضين غير موثوقين ثم بيع هذه القروض من طرف المؤسسات على شكل أوراق مالية قابلة للتداول (ما يعرف بـ mortgage backed securities).

هذه الأوراق المالية كانت مطلوبة بشكل كبير فارتفع ثمنها وزادت الأبناك في منح القروض لكل من يطلبها.

ارتفاع الفوائد جعل هؤلاء المقترضين يتوقفون عن دفع ديونهم وهو ما جعل الـ mortgage backed securities عبارة عن قنابل موقوتة.

توقف هؤلاء عن الدفع ثم انخفاض أثمنة المنازل وتوقف معظم المقترضين الآخرين عن الدفع، وزيادة انخفاض أثمن المنازل، جعل الـ mortgage backed securities بدون قيمة فوجد المستثمرون والمؤسسات المالية الحاملة لهذه السندات نفسهم في ورطة كبيرة.

لحل الأزمة، تدخلت الحكومة من أجل إنقاذ هذه المؤسسات من خلال منحهم مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب.

حاليا، هناك انتعاش في سوق العقارات خصوصا في المدن الكبيرة التي تعرف تواجدا كبيرا للأغنياء كما أن معظم الأبناك تخلت عن نسب الفائدة المتغيرة التي كانت أبرز أسباب الأزمة.

رغم ذلك، لازال هناك خطر مشابه من ناحية النوع في قطاع قروض السيارات والقروض قصيرة المدى.

سنة 2017، تم إصدار 25 مليار دولار من الأوراق المالية المبنية على قروض السيارات. هذا المبلغ وإن كان منخفضا مقارنة بقيمة الأوراق المالية المسببة لأزمة 2008، قد يصبح خطرا حقيقا عند تراكمه.

الخطر الأخلاقي

رد الفعل الطبيعي في كل أزمة هو البحث عن جهة للومها.

سنة 2008، لم تكن هناك صعوبة في البحث عن كبش الفداء.. الوكالات الحكومية، الأبناك، المضاربون.. كلهم كانوا مصدر الشر في أعين الشعب.

المشكلة أن اللوم دون أية دلائل على الجريمة لم يجد نفعا… معظم مدراء الأبناك حافظوا على مراكزهم ونادرون جدا من تمت محاكمتهم.

الأزمة المالية

محاولات تحسين المؤسسات المالية لصورتها كانت متواجدة لكنها لم تعني أن الأبناك تخلت على الممارسات المشكوك فيها.

Phil Angelides كان أحد المسؤولين عن إعداد تقرير حكومي يشرح أسباب الأزمة التي جعلتها بهذا التأثير. في تصريح له قال:

في الحالة الطبيعية، نحن نتعلم من عواقب الأخطاء التي نرتكبها. رغم ذلك، وول ستريت لم ترى أية عواقب من أي نوع، قضائية، اقتصادية، أو سياسية كانت. هذا الأمر جعلها في غنى عن أية مراقبة أو فحص داخلي لطريقة عملها أو لثقافتها المسؤولة عن الأزمة.

حاليا

كما قلنا، الانتعاش الاقتصادي الحالي مميز والمستثمرون استفادوا منه بشكل كبير.

قيمة مؤشر S&P 500 ارتفعت بـ 150% مقارنة بسنة 2009 كما أن نسبة الفوائد المنخفضة، الـ quantitative easing، وصعود أسهم الشركات التقنية أضاف تريليونات الدولارت إلى قيمة أسهم البورصة ككل.

منذ 2008، كانت هناك تطورات تقنية كبيرة جعلت طرق الاستثمار ونوعية المستثمرين تتغير بشكل كبير.

قيمة سوق صناديق المؤشرات المتداولة (ETF) صعدت من 0.8 ترليون دولار سنة 2008 إلى 5 ترليون دولار حسب JPMorgan كما أن هذا صناديق الاستثمار المرتبطة بمؤشرات البورصة أصبحت تمثل 40% من مجموع الأصول التي تتم إدارتها.

صناديق المؤشرات المتداولة تتميز بتكلفتها المنخفضة، مقارنة بـ Hedge Funds مثلا، وسهولة إدارتها إلاّ أنها ليست بالمتانة التي قد يظنها البعض.

الشركات التقنية أيضا لعبت دورا أساسيا في ارتفاع قيمة السوق. فآبل، جوجل، أمازون، وفيسبوك كلها تقدر قيمتها بمئات مليارات الدولارات وهو ما لم يكن سنة 2008.

هذه الشركات تسيطر على الـ ETF ومؤشرات البورصة مما يعني أن أي أزمة تصيب القطاع التقني قد يكون لها أثر مدمر على الاقتصاد ككل.

أخيراً

دروس الأزمة المالية قد تكون صعبة وعميقة.

بالفعل، تم وضع آلاف القوانين والتدابير لتجنب أزمة مشابهة في المستقبل سواء لمراقبة وضبط ممارسات الأبناك أو لحماية المستهلكين وعموم الأشخاص.

كل هذه التدابير قد تجعلنا نشعر بأننا في أمان أو، على الأقل، أكثر أمانا من قبل. رغم ذلك، الأزمات نادرا ما يتم توقعها، وحتى وإن تم توقعها فمن الصعب توقع حجم أثرها.

السبيل الأفضل لمواجهة مثل هذه الأزمات هو تنويع الأصول، تجنب التبذير، إدارة الخطر وعدم الوثوق في بعض الأشياء الي تبدو مغرية أو كما يُقال: Too good to be true.

Zarhouni
الكاتبZarhouni
مهتمّ بكلّ ما له علاقة بالتقنية والأعمال، أدرس الإدارة المالية وأسعى لتوفير محتوى عربي ذو مصداقية وجودة عالية.