العلاقة بين ألعاب الفيديو ومرض ADHD .. هذا رأي العلم

ADHD

مع تزايد شعبية ألعاب الفيديو، تتزايد أيضًا مخاوف الآباء بشأن مدى تأثير هذا الألعاب على تركيز وصحة أطفالهم.

ومن هذا المنطلق، رأينا أن نلقي نظرة على بعض الحالات المجتمعية، وأحدث التقارير العلمية التي تناولت هذه المشكلة.

ومنها يمكن أن نستنتج ما هو المسبب الحقيقي لمرض ADHD وكيف نحمي أطفالنا من خطر الإصابة به.

والدة الطفل Ryder ومرض ADHD

كان عمر الطفل Ryder يقارب الأحد عشر عامًا عندما تم تشخيصه باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD).

وتقول والدته تشارلي للمجلة الصحية Healthline:

كانت إحدى الطرق التي كان يتعامل بها مع عقله المزدحم بالأفكار هي ممارسة الألعاب. كان يركض إلى الكمبيوتر في اللحظة التي يعود فيها إلى منزله، بل إنه يستمتع بمشاهدة مقاطع الفيديو لألعاب الآخرين.

لكنني لاحظت أنه عندما بدأ رايدر يقضي وقتًا أطول في لعب ألعاب الفيديو، أصبح أكثر اندفاعًا، ومنسحبًا عن عائلته وسريع الانفعال. وسرعان ما انتقلت هذه العادة إلى شقيقتاه.

لقد أصبح منزلنا ساحة معركة من الأطفال سريعي الانفعال. لذلك بدأنا نتحدث علانية مع أطفالنا الثلاثة حول إدمان الشاشة، ونسئلهم ما إذا كانوا متحكمين في الشاشة، أم أن الشاشة هى التي تتحكم بهم.

إنه سؤال يطرحه عدد متزايد من الآباء كل يوم، حيث أن قضاء الوقت بشكل مفرط أمام شاشات الكمبيوتر والتلفاز أصبح مصدر قلق صحي متزايد الخطورة على الأطفال.

وعلى أرض الواقع، استنتجت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال في إحصائية قريبة، أن هناك ما يصل إلى 8.5 بالمائة من أطفال الولايات المتحدة، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 و 18 عامًا، يستوفون معايير مرض اضطراب ألعاب الإنترنت (Internet Gaming Disorder)، والتي تتضمن أعراضًا مثل تلك التي لاحظت تشارلي أن رايدر قد بدأ في عرضها.

Internet Gaming Disorder

أيضًا، تحدث الطبيب النفسي بيري رينشو من جامعة يوتا لصحيفة Healthline عن نفس الموضوع، وأكد على فكرة ترابط أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه، بطول مدة ساعات لعب ألعاب الفيديو.

كما أنه صرح أن علاج أي من هذين العرضين، سوف يؤدي إلى تقليص مدة لعب الألعاب بالتبعية، لكن لماذا؟

هل لعب ألعاب الفيديو يؤدي إلى الإصابة بمرض ADHD؟

لا يوجد أي دليل على أن ممارسة ألعاب الفيديو تؤدي إلى حدوث اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ولكن الأطفال الذين يلعبون الألعاب بكثرة أكثر عرضة للإصابة بهذه الأعراض عن غيرهم.

تم الوصول إلى هذا الاستنتاج من خلال نظرة على دراستين مختلفتين، عملتا على حصر عدد المصابين بالمرض، ومتوسط عمرهم، والأسباب المحتملة التي جعلتهم على هذه الحالة.

الدراسة الأولى تقول أكثر من 9 في المائة من الأطفال الذين يعيشون في الولايات المتحدة، والذين تتراوح أعمارهم ما بين سنتين و17 سنة، تم تشخيصهم بأنهم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

هذه الإحصائية تمت في عام 2016 وفقاً لدراسة مراكز للتحكم في الأمراض.

كما أنه من بين هؤلاء الأطفال، كل 6 من 10 أطفال يتناولون أدوية لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بالاضافة إلى مشاكل عاطفية أخرى تم تشخيصها.

الدراسة الثانية، والتي أجراها فريق من كاليفورنيا، تتبع فيها هذا الفريق ما يقرب من 2600 مراهق في المدارس العامة في مقاطعة لوس أنجلوس لمدة عامين.

و في هذه الدراسة، أخذ الفريق إحصائيات عن مدى استعمال هؤلاء المراهقين لمنصات التواصل الاجتماعي، والأجهزة التكنولوجية، بما في ذلك منصات ألعاب الفيديو.

جميع الاحتمالات تم رصدها، بدءًا من الرسائل النصية وإلى بث الموسيقى أو الأفلام، أو نشر الصور.

صرح هذا الفريق لمجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA) أن المراهقين الذين يستخدمون الأجهزة الرقمية بشكل كبير لديهم ضعف احتمال التعرض لمرض ADHD عن المواطنين العاديين.

كانت دردشة الفيديو أكثر ارتباطًا بأعراض ADHD المستقبلية ، متبوعة بلعب ألعابًا على وحدة التحكم أو الهاتف أو الكمبيوتر.

بالطبع هذه الدراسات تثير القلق من فكرة تأثير تكنولوجيا الوسائط الرقمية الجديدة على جيل الشباب، وكيف ستكون صحتهم وشخصياتهم في المستقبل.

ما هو مقدار اللعب الذي يمكن اعتباره أكثر من اللازم؟

سؤال آخر يحتاج إلى أجابة من خلال متابعة الإحصائيات والدراسات، ما هو الوقت الحقيقي الذي يقضيه الأطفال في لعب ألعاب الفيديو؟

مع قضاء الأطفال الكثير من الوقت على هواتفهم هذه الأيام، من الصعب معرفة ما يفعلونه وما يتأثرون به، وهل يتأثرون بهذه المؤثرات بالمقدار المناسب أم لا.

تقول ليزا ستروهمان، أخصائية نفسية سريرية في سكوتسديل، أن الآباء عادة ما يكونون في الظلام، قد يظنون أن أطفالهم يلعبون ساعتين فقط في اليوم، بينما هم في الحقيقة يلعبون أكثر من سبع ساعات يوميًا.

كانت الأبحاث في الماضي تربط المشكلات السلوكية بإنفاق أكثر من تسع ساعات في الأسبوع على ألعاب الفيديو، لكن هذا أقل بكثير من معيار اليوم.

تراوحت إجابات الطلاب والمراهقين في الولايات المتحدة، عندما تم سؤالهم عن الوقت الذين يقضونه في لعب ألعاب الفيديو، ما بين 6 ساعات و9 ساعات في اليوم.

هذا يعني أن أقصى عدد ساعات يقضيه الأطفال في لعب ألعاب الفيديو يتعدى 40 ساعة في الأسبوع.

ADHD Common Sense Media
صورة مأخوذة من الموقع الرسمي لمنظمة Common Sense Media، والتي قامت بعمل الإحصائية

لكن الطبيب النفسي كورش ديني، مؤلف كتاب ألعاب الفيديو والإدمان، يدعو إلى النظر إلى الموضوع من وجهة نظر أخرى.

يقول أننا يجب علينا الإهتمام بمدى تركيز الأطفال ونجاحهم في كافة أمور حياتهم، أكثر من التركيز على عدد ساعات لعبهم.

يمكن أن يمثل اللعب عزائًا خاصًا أو مصدرًا للمتعة للأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لذلك قد يحجم الوالدان عن تقييد أوقات لعبهم.

دكتور دوجلاس جينتايل يعمل في مختبر أبحاث وسائل الإعلام، صرح أن الأطفال رغم اصابتهم بمرض ADHD، يمكنهم التركيز بصورة مطوّلة تتعدى الساعتين مع ألعاب الفيديو.

وهذه النقطة تفتح مجالًا جديدًا للحوار، حيث أنه يبدو أنه ليست ألعاب الفيديو هى السبب في خلق مرضي ADHD، بل أن العكس هو الصحيح، المرضى أنفسهم هم الذين يظهرون اهتمامًا أكبر بالألعاب بعد إصابتهم بالمرض.

لماذا ينجذب الأشخاص الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى ألعاب الفيديو؟

ألعاب الفيديو مصممة لكي تعطي مكافأت ودفعات من الأمل على فترات التركيز القصيرة، كما هو الحال في مهمات الألعاب الجانبية، والتحديات المؤقتة عبر فصول اللعبة.

ونستنج من ذلك، أن الألعاب تشجع على التركيز، ولكن ليس لفترات طويلة ..بمعني آخر، إذا ركزت لمدة خمس دقائق، سوف تتمكن من هزيمة التحدي والتغلب على المهمة المعروضة أمامك.

في دراسة مدتها ثلاث سنوات تم إجرائها على 3000 طفل ومراهق من سنغافورة، أجراها الدكتور دوجلاس وزملاؤه، واستنتجوا منها أن الألعاب لا تساعد الأطفال قليلي الانتباه، بل في الواقع، يصبح اللاعبون عند لعب الألعاب لفترات طويلة أكثر اندفاعًا، وأقل انتباهًا.

هذا يعود إلى الأضواء والمؤثرات الصوتية للعبة، والذان يعملان على لفت انتباهك كل الوقت، حتى لا تضطر إلى بذل مجهود فعلي في التركيز.ADHD

هذا مختلف تمامًا عن التواجد في غرفة الصف، حيث لا يمتلك المعلم تأثيرات صوتية وإضاءة وتأثيرات خاصة وموسيقى وزوايا كاميرا.

كما يتكلم الدكتور دوجلاس عن نقطة أخرى، وهى أن الأطفال الفاشلين بطبيعتهم في فصلهم أو مع المجتمع من حولهم، يميلون لشعور الانتصار والاستقلال الذي توفره الألعاب.

أسباب الإصابة بمرض ADHD

مازلنا نريد تحديد السبب الرئيسي الذي يدفع أطفالنا للإصابة بهذه الأعراض المقلقة.

تطرقنا إلى نقطة نفسية في الفقرة السابقة، والتي تحدثنا فيها عن أحد الأسباب التي قد تدفع الأطفال المنعزلين مجتمعيًا إلى الأقبال على ألعاب الفيديو.

لكن هناك أيضًا عوامل جينية وبيوكيميائية، أحيانًا ما تكون سببًا في ظهور هذا المرض.ADHD Reasons

هناك نظرية تقول أن مرضى ADHD يعطون أنفسهم دفقات من السعادة من خلال لعب الألعاب، وبصورة علمية هم يعطون أنفسهم طلقات من مادة الدوبامين التي تثير السعادة.

هناك كذلك بعض الأبحاث التي وجدت أن استعمال أدوية تحتوي على الدوبامين مثل الريتالين، يمكنها أن تقلل من عدد ساعات اللعب.

هذا يفتح المجال للنظر إلى الموضوع من وجهة نظر أخرى مختلفة تمامًا عن التحليلات النفسية، ومازال العلماء يجدون اكتشافات جديدة كل يوم بهذا الخصوص.

هل الألعاب مفيدة؟

تكلمنا باستفاضة عن هذا الموضوع في مقالنا السابق أفضل ألعاب الفيديو للأطفال .. كيف أختار الألعاب المناسبة لكل مرحلة عمرية.

وكما هو الحال مع جميع المنصات الإلكترونية، يعود الأمر في النهاية إلى كيفية استعمالنا لهذه التكنولوجيا.

لكن بما أننا نستعين في كتابة هذا المقال باحدث الدراسات العلمية، قررنا أن نلقي نظرة على بعض هذه الفوائد من وجهة نظر علمية.

أظهرت بعض الأبحاث أن الألعاب يمكن أن تعزز مهارات الحركة والتركيز، خاصة ألعاب العنف وإطلاق النار، والتي وجدت الأبحاث أن الألعاب قد عززت هذه المهارات بقدر ما عززته المدارس الثانوية والدورات الجامعية التي صممت لهذا الغرض، كما يمكن تطبيق هذه المهارات المكتسبة خارج نطاق الألعاب أيضًا.Video Game Benefits

تتضمن بعض الألعاب الأكثر شعبية اليوم كثيرًا من الأشخاص الذين يلعبون عبر الإنترنت، وبالتالي قد تعزز الألعاب القدرة على العمل مع الآخرين أيضًا.

بالطبع، هناك بعض الأحاديث على الإنترنت التي تكون مسيئة تمامًا، خاصة عندما يكون اللاعبين الصغار متحمسين للعبة لدرجة مرضية، تجعلهم يتهمون اللاعبين الآخرين بألفاظ مزعجة.

هل الألعاب حقا تسبب الادمان؟

كما استنتجنا من المقال: هناك اختلاف كبير في الرأي حول ما إذا كانت لعب الألعاب لفترات طويلة يعتبر إدمانًا، أم هو اضطرابًا في السيطرة على الانفعالات، أم هو عرض جانبي لمرض الاكتئاب، أو مجرد سلوك مختلف يوجد في بعض الأفراد.

هذا بالطبع بالإضافة إلى الرقابة التي يضعها الأبناء على أبنائهم في المقام الأول، ونصحهم الدائم بما هو ضار وما هو نافع.

في آسيا، كانت هناك إحدى القصص البشعة عن خروج لعب ألعاب الفيديو عن نطاق السيطرة، وكيف تسبب في مشاكل صحية خطيرة.

تمت محاكمة زوجين بتهمة القتل المتعمد، بعد وفاة طفليهما بسبب سوء التغذية بسبب لعبهما للعبة إلكترونية خيالية في مقهى الإنترنت لمدة 10 ساعات متواصلة.Video Game Addiction

ماذا يمكنك أن تفعل إذا كنت تشك في أن طفلك لديه إدمان على التكنولوجيا أو الألعاب؟

قد تطلب من طفلك أن يجيب على الأسئلة الموضوعة في الأداة التشخيصية المقدمة من الفريق في reSTART Life، الذي يدير معسكرًا للمراهقين في Serenity Mountain، في واشنطن.Video Game Quiz

راقب واعرف علامات الخطر التالية على إدمان التكنولوجيا:

  1. إنفاق المزيد والمزيد من الوقت عبر الإنترنت أو اللعب
  2. محاولة الانسحاب من اللعبة والفشل في ذلك
  3. الشعور بنشوة غير صحية عندما يلعبون، مصحوبة بنوبات غضب وشكوى من الألعاب نفسها
  4. إهمال العائلة والأصدقاء
  5. قلة الأكل، المصحوبة ببعض الأعراض الظاهرة مثل زيادة الوزن أو فقدانه، أو آلام الظهر، أو الصداع.
  6. الأرق
  7. الكذب حول وقت لعب الألعاب.

اسئل طفلك ما اذا كان قادرًأ على ترك الألعاب متى احتاج إلى ذلك، وهل الألعاب بالنسبة له هى مهرب من الحياة الحقيقية أم لا.

هذه الإجابات سوف تحدد ما إذا كان طفلك يحتاج المزيد من المساعدة، كما أنه يمكن نصح الآباء بتقديم بدائل صحية مناسبة لأطفالهم، وتحديد قوانين اللعب لهم، بدلًا من حرمانهم مما يحبونه.

النتيجة النهائية

في حين أن ألعاب الفيديو قد لا تكون المسبب لمرض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إلا أنها قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض.

قد يكون الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أكثر عرضة لتطوير إدمان الألعاب كآلية للتكيف للتعامل بشكل أفضل مع اضطرابهم.

ومع ذلك، يمكن للآباء والأمهات الذين يعملون مع أطفالهم لمعالجة هذه القضية أن يصلوا إلى نتائج إيجابية.

هناك العديد من المؤسسات والمدارس التي تعمل على دمج الدروس المتعلقة بالتكنولوجيا في نظام التعليم، وتعمل جانبًا إلى جنب مع الأسر على وضع أهداف واقعية، وتوعية الأطفال والآباء بحجم المشكلة.

أما بالنسبة إلى رايدر، الطفل الذي ذكرناه في بداية المقال، فهو الآن في الثالثة عشرة من عمره، وقد خفض وقت لعبه بمساعدة عائلته، وبدأ أيضًا ممارسة رياضة جماعية، وهو ما يمنحه المزيد من الثقة.

Ryder

وتقول والدته أنها أخيرًا تستمتع ببعض الأيام مع إبنها، بعيدًا عن كل الشاشات والهواتف وتأثير التكنولوجيا، وتقول أن الأمر يستحق تمامًا التعب المبذول في تحقيق ذلك.

محمد حسن
الكاتبمحمد حسن
أغطي صناعة ألعاب الفيديو وأكتب عن اللاعبين والمؤتمرات ومراجعات الألعاب، خاصة ألعاب PlayStation 4, Nintendo Switch.