منذ أسابيع ووسائل إعلامية مختلفة في عدة بلدان عربية تروج للمخاطر المتعلقة بالألعاب ومدى خطورتها على أطفالنا.
وادعت هذه الوسائل أن حالات انتحار وقعت بسبب الحوت الأزرق، وعلى إثرها ضجت الشبكات الاجتماعية بتحذيرات من ألعاب معينة وتوجيه النقد للألعاب عموماً مع قائمة من المطالب الطويلة العريضة طالت بعض ألعاب فيديو عادية مثل لعبة Fortnite التي بين التحذير منها مدى جهل هذه الوسائل بالحقيقة وعدم قدرتها على التمييز بين ألعاب الفيديو وبين غيرها من الوسائل التي تستهدف المراهقين.
الخطورة الحقيقية ليست فيما يعرف بالحوت الأزرق أو غيرها من المسميات، بل في الإعلام الساذج الذي يريد فقط ركوب الموجة ووضع عناوين تحذيرية لبث الخوف دون أدنى مسؤولية أخلاقية أو معرفة بمدى انعكاسات هذا الأساليب.
إن الطريقة التي يتعاطي بها الإعلام مع مثل هذه الموضوعات سخيفة للغاية، لكنها للأسف تؤسس لنشر الجهل وإخفاء الحقائق.
وبدلاً من أن يتحلى الإعلام بمسؤوليته في توضيح الحقيقة ونشر محتويات ذات فائدة للفئات المستهدفة، فإنه يقوم فقط ببث الخوف والجهل.
إن ما تروجه وسائل الإعلام من عناوين مضللة للجمهور لتشويه ألعاب الفيديو هو أمر مسيء جداً، لكن الأمر الأسوأ هو استخدام الأكاذيب لإلقاء اللوم في بعض حالات الانتحار الأخيرة على ألعاب الفيديو.
وللأسف سيؤدي تحميل ألعاب الفيديو مسؤولية بعض الأعمال الشاذة في مجتمعاتنا إلى التغطية عن الأسباب الحقيقية وتأخير الجهود لمعالجة الأمراض النفسية والعقلية وغيرها من القضايا المرتبطة بالانتحار أو حتى العنف.
إن آلاف الأبحاث العلمية لم تستطع أن تصل إلى نتيجة لربط ألعاب الفيديو بالسلوك العنيف لدى الأطفال والمراهقين، بينما لا يوجد بحث واحد حتى يربط بين الألعاب وإيذاء الذات.
أما من يتحدث عن تصنيفات العمر فهذه قضية منفصلة، فإذا كان المحتوى ضارًا حقًا، فمن المؤكد أنه لا ينبغي السماح به على الإطلاق، وهذه مسألة تساعد على توفير مكتبة آمنة من الألعاب لأطفالنا ولا أعتقد أن أحداً يعارض ذلك.
لكن لا ننسى حقيقة أن المراهقين والأطفال في مجتمعاتنا قد يرون بعض الفظائع في الحياة الحقيقية، وهي بالتأكيد تجربة أكثر صدمة من المشاهد التي قد يراها في الألعاب المخصصة لفئات عمرية معينة، لكنني لا أذكر هذا كمبرر بل لتذكير أولياء الأمور بواجبهم تجاه أطفالهم.
لقد اعتادت المجتمعات على إلقاء اللوم في أي مأساة أو قضية تحدث هنا وهناك، فتارة الكتب والأفلام والإنترنت والألعاب، وهو أمر تعززه وسائل الإعلام بدلاً من معالجته.
إن ما تمارسه وسائل الإعلام اليوم، ينتقص من القضايا المهمة، وينتقص من حقيقة أن بعض الناس يعيشون كل يوم مع عدم القدرة على التعبير عن قلقهم ومخاوفهم وحزنهم، وخاصة لأولئك الأقرب إليهم داخل الأسرة.
وطالما أننا لا نريد أن نسلط الضوء على القضايا الحقيقية، فلا نستغرب أن يؤدي هذا العجز إلى شلل اجتماعي ونفسي ساحق يُشعر الجميع باليأس.
رسالة إلى أولياء الأمور
صدقوني، أطفالكم لن ينتحروا بسبب لعبة ولا لأي أسباب سخيفة تسمعونها من الإعلام اليوم، كونوا بقربهم دائماً واستمعوا لهم ولمشاكلهم.
أطفالكم مسؤوليتكم بالدرجة الأولى، وألعاب الفيديو هي جزء لا يتجزأ من صناعة الترفيه، لذا واجبكم هو العمل على تنظيم وضبط هذه الوسيلة بما يتناسب مع مصلحة أبناءكم، غيرها كالكثير من الأشياء التي قد يقضي الأبناء عليها أوقات طويلة.
إذا كنت كولي أمر قلقًا من أن ابنك المراهق يقضي وقتًا طويلاً في ممارسة الألعاب، فحينها عليك أن تنظر إلى السببية وليس اللعبة، ربما أن المرح الذي يشعرون به في هذه الألعاب أفضل من واقعهم أو ربما يكونون قد تعرضوا للمضايقات أو التنمر، أنت من عليك البحث في الأسباب ومعالجتها بهدوء.
لوسائل الإعلام
أرجو أن تتذكروا دائماً أن الكلمة أمانة وبها تبنى مجتمعات وتهدم، وبدلاً من الحديث فيما لا تعرفون يُمكنكم الاجتهاد قليلاً في البحث والتدقيق للمواد الإعلامية المنشورة، كما يُمكنكم الاستعانة بالخبراء في هذا المجال لتوضيح الحقائق للجمهور بدلاً من الاعتماد على أشخاص لا يعرفون ماهية ألعاب الفيديو أصلاً.