نجحت آبل خلال العقد الماضي في اقتحام عدة مجالات وتقديم أجهزة مميزة لاقت نجاحًا كبيرًا، حيث عمدت الشركة إلى سحب البساط من تحت عدة شركات كانت تقدم منتجات مثل مشغلات موسيقى MP3، هواتف ذكية، لوحيات، وحواسب محمولة، لكن هذه المنتجات لم تستطع الصمود في وجه آبل التي عرفت كيف تلفّ منتجاتها بأثواب من حرير وتقدمها بسعر مرتفع وتلقى إقبالًا كبيرًا من المستخدمين، حيث لم يقتصر استهداف آبل بهذه الاستراتيجية المستخدمين المهتمين بمجال التقنية فحسب، بل تعدّت ذلك لتجذب مختلف الشرائح التي رأت في منتجات آبل منتجات ذات جودة عالية سواء من حيث الوظائف أو التصميم، كونها تميزت بتصاميم مميزة وجديدة آنذاك مع واجهة مبتكرة، الشيء الذي ميزها عن غيرها من المنتجات وجعل شريحة كبيرة من المستخدمين يتقبلون فارق السعر. هذه الاستراتيجية نجحت لعدة سنوات وجعلت من آبل رقمًا صعبًا يؤرق الشركات المنافسة.
لكن استراتيجية آبل التي نجحت خلال تلك الفترة أصبحت أقل تأثير مؤخرًا، وذلك لأسباب عدة من بينها ظهور شركات جديدة منافسة بأفكار جديدة وعلى قدر عالٍ من الطموح، حيث لم تنجح آبل في الدخول بقوة في مجال الموسيقى بخدمتها الجديدة Apple Music للاستماع إلى الموسيقى، بعد سنوات من تحميل المستخدمين للموسيقى عبر iTunes وامتلاكهم لها، لكن طموح آبل اصطدم بشركات مثل Pandora وSpotify على وجه الخصوص، والتي نجحت بالفعل في اعتماد نفسها كخيار مفضل للمستخدمين، مع كون المنتج مصممًا بشكل ممتاز وذو قبول كبير، في حين لم تقدم خدمة Apple Music أي قيمة مضافة تجعل المستخدمين يرغبون في الانتقال من منصات الموسيقى التي يستخدمونها. ورغم الهوّة الشاسعة بين آبل وSpotify من حيث الأرباح، إلا أن هذه الأخيرة تمتلك ما ميّز آبل خلال فترة نجاحاتها التي ذكرناها آنفًا، وهو العامل المميز، حيث تبدو آبل في هذه الحالة كمنتج موسيقى تستخدمه شريحة غير مواكبة للمجال، في حين تبدو Spotify وPandora كخدمتان مميزتان وذواتا شعبية كبيرة بين الشباب على وجه الخصوص، ما يساهم في انتشارها كالنار في الهشيم.
فشل استراتيجية آبل تمثل كذلك في مجال الأوامر الصوتية، وبالتحديد في المساعد الصوتي Siri، والذي كانت آبل من بين أوائل الشركات التي تقدم مساعدًا صوتيًا يلقى شهرة واسعة مثل Siri، إلا أن هذا الأخير لم يكن جاهزًا بعد ليكون منتجًا متكاملًا يوضع بين يدي المستخدمين، وهو ما اتضح لاحقًا بعد أن أصبح مساعد آبل الشخصي مدعاة للسخرية في مختلف أقطار الإنترنت بسبب عدم إتقانها للعديد من المهام، ما مهّد الطريق لاقتحام أمازون للمجال بتقديمها للمساعد الصوتي Alexa، والذي يبدو جليًّا أنه استحوذ على إعجاب الجمهور مع تحكم أمازون بما يصل إلى 75% من سوق مكبرات الصوت الذكية، قبل أن تردّ آبل بمنتج HomePod لمنافسة مكبرات صوت أمازون، والذي يأتي بضعف سعر منافسيه، بل إن فارق السعر يصل إلى السدس عند مقارنة سعر مكبر صوت آبل بمكبر صوت أمازون الصغير Echo Dot الذي يبلغ سعره 40 دولارًا فقط ويقدم تجربة صوت في المستوى مع مساعد صوت يعد الأفضل حاليًّا.
وينطبق نفس الأمر مع منتجات أخرى من آبل مثل Apple TV الذي لم يستطع إبراز نفسه كخيار منافس قوي لمقارعة منافسين مثل Roku الذي كان يستحوذ بالفعل على السوق، صحيح أن منتج آبل قدم تصميمًا جميلًا وذو واجهة جيدة، لكنه لم يقدم ما يشفع له للتفوق على Roku الذي كان يلقى إقبالًا كبيرًا بالفعل ويتميز بخيارات قنوات أكثر بكثير من Apple TV. وقد كررت آبل نفس استراتيجيتها بتقديمها لمنتجها بسعر مرتفع جدًّا مقارنة بسعر Roku، حيث قدمت منتجها بسعر 150 و200 دولار بناءً على سعة التخزين، في حين أن سعر النسخة الأساسية من Roku قد شكلت ما بين سدس وثمن سعر آبل! ليتحول منتج آبل إلى ذلك المنتج الذي يقتنيه كبار السن فقط لكونه يحمل اسم العلامة الفلانية، دون النظر إلى علامة تجارية أخرى غير معروفة مثل Roku، علمًا أن هذا التطور التقني قد علمنا جميعًا أن اسم العلامة التجارية لم يعد الفيصل في تحديد جودة منتج عن غيره، خصوصًا مع الدخول المهول للتنانين الآسيوية لمختلف المجالات وتقديم العديد من الخيارات المنافسة بأسعار متنوعة.
قد لا تكون آبل قد فقدت لمستها المميزة في تقديم منتجات جديدة في المستوى، إلا أن المنافسة القوية ودخول العديد من الشركات لمجالات عدة من التي تضع آبل عينها عليها، سيجعل من استراتيجية الشركة المعتادة غير فعالة كما مضى، خصوصًا مع استمرار آبل في الإصرار على فرض أسعار مرتفعة للغاية مقارنة بالأجهزة المنافسة الأخرى دون تقديم قيمة فارقة، كما أن ارتفاع وعي المستخدمين وانتشار المعلومة بشكل أسهل يجعل شريحة كبيرة من المستخدمين يتجهون إلى البحث عن منتجات تقدم قيمة عالية بأسعار معقولة دون النظر بالضرورة إلى اسم العلامة التجارية.